سنصل في يوم ما لمرحلة يكتشف فيها مسؤولي الإعلام في بلادنا أنهم بأيديهم دمروا القوة الناعمة المتاحة بأيديهم بسبب الفساد والعقول المقفلة والإصرار على الفشل، وبأنهم سيستهلكون الكوادر اللذين تم تأهيلهم سابقا في الخارج فنهضوا بالإعلام اليمني، ولن يستطيع المسؤولون إنتاج كوادر جديدة لمواجهة التحديات الجديدة؛ كون معايير الإختيار قد تغيرت، أو بالأصح عادت لما كانت عليه أيام النظام السابق، وصارت الوظيفة بشكل عام، والوظيفة الإعلامية بشكل خاص، تُمّنح وفق معيار القرابة ومهارات التطبيل، وسيأتي وقت تتساقط فيه الدمى تباعا لأنه لا يصح إلا الصحيح.
أقسم لكم أنني أشفق على السيد القائد بسبب ما أبتلاه الله من أعوان ومسؤولين حتى وكأننا لم نكن جديرين به، فقد ظهرت الأطماع والأنانيات بوقت قصير، ورأينا بأعيننا رجال كانوا كبارا وهم يتساقطون في وحل الأنانية والفساد بعد أن كانوا نماذجا للنبل وإنكار الذات! فماذا حصل؟! الله وحده يعلم.
الساحة الإعلامية والثقافية أنتعشت في بداية الثورة وفيما بعد نجاحها، وكان الحماس مشتعلا، والاوضاع مبشرة بالخير بعد عقود من القمع والفساد، لذلك أنطلق الكثير من حملة الأقلام للإنخراط في العمل الإعلامي، وشهدنا طفرة لم يسبق لها مثيل في صورة كتابات أثرت الساحة بالأراء والرؤى والنقاشات والحلول، كما استطاعت الجبهة الإعلامية أن تكبح تغول الإعلام المعادي رغم قوته وما يمتلك من إمكانيات.. أما اليوم فنحن نرى الصعوبات التي يواجهها الإعلام أمام السخط المتنامي بين الناس بسبب الإشاعات والتضليل، وضعف الأداء الثقافي أمام الحرب الناعمة الموجهة ضدنا، ولا سلاح متاح أمامنا اليوم سوى الوعود المستقبلية التي تهدئ الأوضاع مؤقتا فقط!.
سؤال لكل ذي عقل: لماذا قام الإصلاح بإغتيال المثقفين والأكاديميين في فترة الحوار الوطني؟! طبعا هناك من سيقول: من أنت يا صعلوك لتقارن نفسك بتلك الهامات؟! وأنا سأجيب بهدوء على هذا الأخ المتعصب الذي يذكرني بكهنة المعبد، بأن أطلب منه ان يذكر لي عبارة واحدة مما قاله أحد أولئك الجهابذة الذين غدروا وقتلوا غيلة!
ثم أن عجز مسؤولي الماكينة الإعلامية عن إنتاج بدائل من الموهوبين الموجودين في الساحة اليوم هو دليل عجز، وهؤلاء العظام الذين أستشهدوا لم يولدوا وهم بهذه العقليات، ورغم أننا نعرف أن الموهبة لا تكفي لإنتاج فكر قادر على مخاطبة عقول الجماهير ما لم يقترن بدراسة ومطالعة وبحث، ولكن إن كان هذا الكاتب المبتدئ المسكين مشغول طوال وقته بالسعي لتوفير لقمة عيشه، فمتى يقرأ ويطور نفسه؟! وهذا ما كان يفترض بالمسؤولين توفيره لضمان إستمرارية قدرتنا على المواجهة، وإنتاج أفكار جديدة لمواجهة التحديات الجديدة.
لو كان المسؤولين اليوم يعتقدون بأن دور المقالات والعمل الأدبي والثقافي الواعي ينحصر على النشر في الصحف والمجلات فهذا دليل على الجهل الذي نعاني منه اليوم بسببهم، ولو ظنوا أن نشر الأخبار ونقل التصريحات فقط هو ما يمثل دور الإعلام الرئيسي فهم بذلك يكشفون لنا حقيقة ما هم عليه من سلبية وعدم دراية؛ فالدول الكبرى تمتلك أعظم ماكينات إعلامية اليوم لم تتطور بهذه الأفكار البالية، وتدرك أهمية الفكر والتثقيف لإستمرار وجودها، ولديها كتاب متمرسون في جميع مجالات الحياة لمخاطبة الشعوب عبر إنتاج المقالات والكتب والمسارح والبرامج والأفلام وغيرها.
دعنا من الخارج رغم أن ما أكده قادتنا بأن قوة إعلام العدو لم يسبق لها مثيل في التاريخ، وعلى قدرتهم الرهيبة في التأثير والتضليل.. ولكن، على المستوى المحلي، ألم تطرأ علينا ظواهر حديثة لم تكن موجودة بعد نجاح الثورة بأعوام، منها على سبيل المثال: كثرة التذمر، وتفشي الشائعات، وصعوبة التحشيد، والشكوى من الإدارة، وغيرها من السلبيات التي لم تعد حكرا على الفئات المناوئة، بل وصلت للحاضنة الشعبية والعاملين أنفسهم!.
هناك آثار توضح مدى تردي العمل الثقافي، فمثلا: كم عدد الكتب التي تم إنتاجها خلال السنوات الماضية؟ كم عدد الأعمال الدرامية والوثائقية البارزة؟ كم عدد الدراسات والبحوث؟ كم عدد الصحف والمجلات والروايات والنقاد والمفكرين؟! لقد تحول العمل الإعلامي إلى عبء بسبب المحسوبية والفساد، ولم يعد أحد يجرؤ على إنتقاد القليل الذي يتم إنتاجه، وغالبا ما تزيد فرص الكاتب لينال الإهتمام بمدى قربه من شخص ذي حيثية، أو بتصفيقه لكل ما يقوله المسؤول الفلاني!.
إن إستمرار الوضع الراهن لن يؤدي إلا للمزيد من التعقيدات، وسنظل نعاني من آثاره حتى يتم إيجاد نية صادقة للتغيير، والدور الإعلامي مرتبط بإنجاز كل الأعمال وإلا لما خصصت دول العالم ميزانيات ضخمة للإعلام تتعدى ميزانيات الصحة والتعليم أحيانا؛ فالإعلام يؤدي بجانب عمل التوعية أداة توجيه، ووقاية من المخاطر والحرب الناعمة، كما أنه وسيلة رقابية لتصحيح الإنحرافات، ويساهم في إيجاد بيئة صحية لأداء الوظائف والمساهمة في إيجاد الحلول.. والله من وراء القص