عن القدس العربي: قاموس أكسفورد، المعتمد عالمياً كمرجع أعلى في معاني اللغة الإنكليزية، يعرّف مفردة Intifada هكذا: «انتفاضة فلسطينية ضدّ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية». قاموس لاروس الفرنسي يذهب أبعد، فيتحدث عن «ثورة شعبية في وجه نظام قمعي أو عدو أجنبي». والأرجح أنه يمكن العثور على تعريفات مماثلة في الغالبية الساحقة من المعاجم العالمية بشتى اللغات، فالمصطلح واضح الدلالة لأنه أيضاً مشتق من معطيات تاريخية على أرض الواقع وليس الخيال.
غير أن معنى الانتفاضة ليس هكذا في الولايات المتحدة، وتحديداً عند النائبة في الكونغرس إليز ستيفانيك، التي ترى أن المصطلح يفيد إبادة اليهود وليس مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، ولهذا يتوجب حظره على ألسنة الطلبة الجامعيين في أمريكا، وفي أرفع جامعاتها مثل هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وبنسلفانيا على وجه الخصوص.
وكانت ستيفانيك قد تصدرت جلسة استماع في الكونغرس لثلاث من رئيسات هذه الجامعات، وحوّلت الأسئلة إلى محكمة تفتيش في الضمائر لا تذكّر إلا بمناخات المكارثية التي هيمنت على الولايات المتحدة أواخر أربعينيات القرن المنصرم وخلّفت وما تزال تخلّف أبشع الذكريات عن ممارسة الرقابة وتلفيق الاتهامات ومصادرة الرأي والتضييق على حرية التعبير.
ولا عجب أن تكون ستيفانيك هي رأس الحربة في هذه الحملة المكارثية المتجددة، ليس لأنها تنتمي إلى الحزب الجمهوري واعتادت الترصد التعسفي لضحايا تستسهل زجهم في تصنيفات «اليسار» فحسب، بل كذلك لأنها تسعى إلى انتقام شخصي من جامعة هارفارد التي سبق أن فصلتها من هيئة معهد السياسة بسبب تصريحاتها الزائفة المتكررة حول نتائج انتخابات 2020 الرئاسية لصالح رواية الرئيس السابق دونالد ترامب. أكثر من ذلك، هذه النائبة التي تزعم مناهضة العداء للسامية سبق لها أن تعرضت لانتقادات لاذعة بسبب إعلانات في حملتها الانتخابية تعزف على أنغام نظرية «الاستبدال الكبير» المعادية في جوهرها لليهود.
وليس مدهشاً أيضاً أن تشارك في الحملة مجموعات ضغط متعاطفة عموماً مع دولة الاحتلال الإسرائيلي ومنحازة بصفة خاصة لحرب الإبادة الراهنة التي يشنها الجيش الإسرائيلي ضد قطاع غزة، وأن يبلغ الانخراط مستوى المطالبة باستقالة أو إقالة رئيسات ورؤساء هذه أو تلك من الجامعات الأمريكية المرموقة تحت طائلة التهديد بقطع تبرعات بعشرات الملايين من الدولارات. وليست الاستقالة الطوعية لرئيسة جامعة هارفارد ليز ماجيل سوى النذير الأول في سعار مكارثية متجددة متسارعة.
كذلك لا تدهش مسارعة البيت الأبيض إلى المشاركة في الحملة، بالتكافل والتضامن مع مرشحي الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية المقبلة أمثال رون ديسانتيس ونيكي هيلي، صحبة عشرات الساسة والكتّاب والصحافيين ذوي التوجهات اليمينية والمحافظة، الذين وجدوا الفرصة سانحة لتحقيق هدف أول مباشر هو مغازلة دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهدف ثان أبعد طموحاً هو النيل من جامعات اتُهمت مراراً بإشاعة أفكار اليسار والتقدم ومعاداة العنصرية والاستعمار.
والحملة شعواء ومتواصلة، يتغافل المشاركون فيها عن حقيقة يزعم معظمهم الإيمان بها بصدد ضمان حرية التعبير، كما يتناسون عامدين أن أفضل رد على النفاق هو النطق بالحقيقة وليس فرض الرقابة، خاصة في الجامعات والمعاهد التعليمية العالية.