
لم يكن اليمن غريباً عن قضايا الأمة، ولا بعيداً عن معركة الشرف التي يخوضها الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني. فمنذ عقود، واليمنيون يرددون: “اليمن يمان والحكمة يمانية”، وهذه الحكمة لم تكن مجرد شعار، بل ممارسة عملية تتجلى في مواقفهم الثابتة تجاه فلسطين، رغم الجراح العميقة التي أنهكت بلدهم بفعل الحصار والحرب والتجويع.
في الأيام الأخيرة، سجّل اليمنيون محطة جديدة في سفر التضحية، إذ ارتقى رئيس وزراء اليمن ومعظم أعضاء حكومته شهداء إثر غارات صهيونية جبانة، استهدفتهم لا لذنب سوى أنهم وقفوا مع غزة، وأصرّوا على مواجهة الاحتلال، وأثبتوا أن الكلمة والموقف قد تكون أخطر من الصواريخ حين تصدر من رجال صادقين.
لقد حاول المتخاذلون أن يثنوا اليمنيين عن مساندتهم لفلسطين، مردّدين ما جاء في القرآن الكريم عن المثبّطين:
{الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ۚ قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (آل عمران: 168).
لكن اليمنيين لم يستمعوا إلى أصوات الانهزام، بل آمنوا بأن الموت قدر محتوم، وأن الشهادة اختيار واعٍ يليق بالأحرار. لذلك فضّل هؤلاء القادة أن يموتوا واقفين مرفوعي الرأس، على أن يعيشوا منكسرين في زوايا العار السياسي.
دلالات استشهاد حكومة بأكملها
1. رسالة سياسية: أن الموقف من فلسطين ليس شعاراً دعائياً بل التزام حتى آخر لحظة.
2. رسالة أخلاقية: أن الكرامة أغلى من الحياة، وأن التضحية أسمى من المناصب.
3. رسالة تاريخية: أن الشعوب لا تنسى من يقف معها، وأن دماء الشهداء تصنع ذاكرة جماعية متقدة تتجاوز الأجيال.
اليمن وفلسطين.. مصير واحد
إن استشهاد قادة اليمن اليوم يثبت أن المعركة ليست محلية أو قطرية، بل هي معركة مصير أمّة بأسرها. وما يقدّمه اليمن من صمود وتضحيات، رغم جراحه، يؤكد أن فلسطين ستظل البوصلة، وأن دماء الشهداء ـ سواء في صنعاء أو في غزة ـ تصب في نهر واحد اسمه الحرية.
لقد رحل رئيس وزراء اليمن ومعظم وزرائه، لكنهم رحلوا وقوفاً، رافعين راية المقاومة، مخلّدين في وجدان الأمة. إنهم لم يخسروا حياتهم، بل كسبوا شرف الخلود، وسجّلوا بدمائهم أن اليمن سيبقى سنداً لفلسطين مهما تعاظمت التضحيات.
فالموت حتمية، لكن للشهادة نكهة لا يعرفها إلا الأحرار. وهؤلاء الساسة كانت نهايتهم مشرّفة، لتبقى سيرتهم نبراساً للأمة، وشاهداً على أن اليمن لا يساوم في قضايا الحق، وأنه باقٍ حيث يجب أن يكون: في صفوف الشرف والكرامة.