“القوى السياسية العراقية: بين الغرور السياسي ومفاجآت التحولات الكبرى”
كتب رياض الفرطوسي
في المشهد السياسي العراقي، تبدو القوى السياسية وكأنها تعيش حالة من الاسترخاء السياسي، مطمئنة إلى بقائها الأبدي، وغير مكترثة بالتحولات الكبرى التي تدور من حولها. ومع ذلك، فإن هذا الاطمئنان قد يكون وهمياً، حيث أن التغيرات الإقليمية والدولية غالباً ما تأتي بمفاجآت غير متوقعة تُعيد رسم الخريطة السياسية. في هذا المقال، نسلط الضوء على أبرز الإشكاليات التي تواجه القوى السياسية العراقية، وندعو إلى قراءة الواقع بعقلية تحليلية بعيدة عن الشعارات والمجاملات .
اولا . هل القوى السياسية خارج اللعبة ؟ القوى السياسية العراقية تبدو معزولة عن الأحداث الكبرى التي تشكل مستقبل البلاد والمنطقة. انشغالها بالصراعات الداخلية والمصالح الشخصية جعلها تفقد القدرة على استشراف التحولات الإقليمية والدولية. في ظل هذا الانفصال، قد تجد هذه القوى نفسها فجأة خارج المعادلة السياسية، غير قادرة على التأثير أو حتى الدفاع عن مواقعها . المشكلة الجوهرية: هذه القوى تركز على إدارة الأزمات اليومية دون وضع استراتيجيات طويلة الأمد للتعامل مع التغيرات الكبرى التي تلوح في الأفق .
ثانيا. فكرة وهم ” البقاء للابد” :يبدو أن القوى السياسية تعيش في حالة من الغرور السياسي، معتقدة أنها محصنة ضد التغيير. هذا الوهم مبني على شعور زائف بالدعم، سواء كان شعبياً أو خارجياً. لكن الواقع يشير إلى أن الدعم، سواء من الداخل أو الخارج، متغير وغير مضمون . الاعتقاد بأن النظام السياسي يمكن أن يستمر بنفس الطريقة دون مراجعة أو تغيير هو خطر كبير. أي نظام سياسي يرفض التكيف مع المتغيرات مهدد بالانهيار .
ثالثا. الدعم الشعبي والإقليمي المتغير : التحولات في المزاج الشعبي، وكذلك في التحالفات الإقليمية، تجعل من المستحيل على أي قوة سياسية الاعتماد على دعم ثابت . شعبياً: الشعب العراقي يعاني من أزمات متراكمة تتراوح بين الاقتصادية والسياسية، ما أدى إلى تراجع الثقة في الطبقة السياسية . اقليمياً : المصالح الإقليمية والدولية تتحكم في تحالفاتها، وغالباً ما يتم التضحية بالحلفاء المحليين عندما تتغير الظروف . القوى السياسية بحاجة إلى إدراك أن “الطبل” الذي يدوي لدعمها اليوم قد يتحول إلى نقد شديد أو تخلي في الغد . رابعا. مفاجآت السياسة: بين التغيير المفاجئ والانهيار التدريجي. نشير إلى نقطة جوهرية وهي أن القوى السياسية العراقية قد تجد نفسها أمام مفاجآت غير متوقعة بسبب تجاهلها للتحولات الكبرى في المنطقة .
التحولات الاقليمية : الصراعات الجيوسياسية في المنطقة، مثل العلاقات المتغيرة بين إيران ودول الخليج، أو تقلب سياسات القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، قد يكون لها تأثير عميق على العراق . لكن النتائج المحتملة تشير الى استمرار تجاهل هذه القوى للمتغيرات يجعلها مهددة بفقدان دورها أو حتى وجودها في المعادلة السياسية . خامساً . هل التاريخ يكرر نفسه ؟ القوى السياسية التي تعتمد على الدعم الخارجي أو الاستغلال المحلي دون إصلاح حقيقي هي عرضة لنفس المصير الذي واجهته أنظمة سابقة . وهنا لابد من الدعوة للتعلم : التاريخ ليس مجرد ماضٍ نتذكره، بل دروس نتعلم منها كيف نتجنب الأخطاء ونعيد تشكيل الحاضر. إعادة التفكير ضرورة وليس خياراً. القوى السياسية العراقية مطالبة اليوم بإعادة النظر في مواقفها واستراتيجياتها. التحولات الكبرى التي تشهدها المنطقة قد لا تمنحها الوقت الكافي للتكيف إذا استمرت في تجاهلها . لابد من الوعي بالتغيرات من خلال قراءة المشهد الاقليمي والدولي والتركيز على الداخل لعمل اصلاح حقيقي يخلق ثقة بين القوى السياسية والشعب . علينا ان ندرك ان السياسة ليست ثابتاً دائماً بل هي عملية ديناميكية تتطلب التكيف المستمر والمرونة مع الاحداث والمتغيرات . التحولات السياسية الكبرى غالباً ما تأتي عندما تكون القوى غير مستعدة لها. القوى السياسية العراقية بحاجة إلى التخلي عن وهم البقاء للأبد، والاعتراف بأن المفاجآت جزء من طبيعة العمل السياسي، وأن الإصلاح والتكيف هما السبيل الوحيد للبقاء.