اقتصاديةبحوث ودراساتعراقية

تنمية الموارد الاقتصادية في محافظة ذي قار وأفاقها المسقبلية

إعداد : الدكتور علي كاظم هلال - كلية القانون/جامعة ذي قار

يتزايد اهتمام معظم (أن لم يكن جميع) الدول في الوقت الحاضر بدراسة الموارد الاقتصادية، إذ أنه بقدر ما يتاح من موارد لمجتمع ما، يتجدد مستوى الرفاهية الاقتصادية، ناهيك عن أن غنى وفقرالدول في الوقت الحاضر يقاس ليس فقط بما في حوزتها من موارد، ولكن أيضا بمقدرتها على استغلالها بكفاءةمن الناحية الاقتصادية بمعنى وصولها إلى التخصيص الأمثل لمواردها .

إذ تلعب الموارد الاقتصادية Economic Resources) )دورا هاما من حيث الزيادة في النمو الاقتصادي وتحقيق معدلات مرتفعة في التنمية الاقتصادية , لأنها الاداة التي يستخدمها المستثمرين لإقامة المشروعات المختلفة التي تعتمد على التنمية الاقتصادية , كما ينظر إليها على أنها رأس مال موهوب من الطبيعة , أي عبارة عن الكميات من النوعيات المختلفة التي تمد الطبيعة الدول بها كراس مال , يمكن استثماره وتقوم الموارد البشرية عن طريق إقامة المشروعات الاستثمارية , بعمل توليفات من الموارد المختلفة , وتقديم طرق للإنتاج تستخدم نسب من هذه الموارد , وتعتمد هذه النسب على الأساليب التكنولوجية العالمية, وهذا يتوقف أيضا على المستثمر ودرجة مهاراته وخبرته وقدراته العلمية التي تمكنه من اختيار طرق الإنتاج المناسبة من بين العديد من الطرق المتاحة.

وتقسم الموارد الى قسمين على أساس النفاذ أو التجدد:

  • موارد غير قابلة للنفاذ كالهواء والرمال والحصى والطاقة الشمسية

ب-موارد متجددة مثل الموارد البشرية والمياه والمراعي الطبيعية والغابات والثروة السمكية والحيوانية وغيرها فهي وان كانت مثل الموارد الاقتصادية نادرة نسبياً الا انها غير ناضبة لما حباها الله من قدرة على التجدد. فالتربة الزراعية إذا أمكن الحفاظ على خصائصها أو عدم إجهادها , فأنها تظل مستمرة في العطاء , أما إذا أسيء استغلالها فقد يترتب على ذلك انخفاض إنتاجيتها وضعف معدلات عطائها , لذا فهي تعوض نفسها بعد أن يستغلها الإنسان , ويقابلها بعض الموارد الناضبة مثل الفحم والحديد والاملاح الكيمياويةوالبترول الغاز الطبيعي .

ومن خلال البيانات التي تم الحصول عليها من وزارة الزراعة يتضح لنا أن المساحة الكلية لمحافظة ذي قار تبلغ (5160000) دونم وتشكل ما نسبته 3% من مساحة العراق , وتبلغ الأراضي الصالحة للزراعة مساحة قدرها (1145000) دونم إذ تشكل نسبة 22,2% من المساحة الكلية للمحافظة , أما الأراضي غير الصالحة للزراعة بلغت (2484723) دونم أي تشكل نسبة قدرها (48,1%) أما مساحة الأهوار فقد بلغت (1,48000)دونم بعد غمر بعض اراضي الاهوار بالمياه من جديد إذ كانت مساحتها في عام 2006 نحو840000 دونم , أما المساحة الكلية للبساتين فقد بلغت (21897) دونم وتشكل نسبة 0,4% فضلاً عن ذلك فقد بلغت نسبة الأراضي المخصصة للنفع العام 9% من مجموع الأراضي الكلية للمحافظة .

وتعد الزراعة من القطاعات المهمة التي تسهموبنسبة كبيرة فيالناتج المحليالاجمالي وسد الاحتياجات الغذائية للسكان وتوفير المواد الاولية للصناعات وتحقيق الاكتفاء الذاتي لمختلف المحاصيل التي تتناسب زراعتها مع بيئة محافظة ذي قار مثل الحنطة والشعير, علما أن الأراضي غير الصالحة للزراعة ضعف الأراضي الصالحة للزراعة وهذا ما يمثل تهديدا لإقتصاد المحافظة من جهة وعدم استيعاب الزيادة في الأيدي العاملة في الريف من جهة أخرى .

وتضم محافظة ذي قار موارد طبيعية كثيرة , والتي تعتبر عنصرا أساسيا في التنمية الاقتصادية والتنمية المستدامة , وفي تطوير القطاعات الاقتصادية المختلفة في المحافظة , فبالإضافة إلى الموارد الطبيعية الدائمية كالرياح والشمس وغيرها , توجد موارد طبيعية غير متجددة كالنفط والغاز الطبيعي وغيرها من المعادن غير المستثمرة بصورة تخدم خطط التنمية في المحافظة , وتزيد من مواردها المالية وتشغيل أعداد كثيرة من الأيدي العاملة التي تدخل ضمن فئة العاطلين عن العمل مما يقلل من معدلات البطالة فيها .

كما كشفت التنقيبات الأخيرة عن النفط , إن محافظة ذي قار قد تصبح في المستقبل القريب محافظة عراقية من حيث الاحتياطي النفطي , وبالتالي قد تكون من المحافظات المتقدمة في إنتاج النفط في العراق , وأكدت الاحصاءات الحالية إن المحافظة تتبوأ المرتبة الرابعة في الوقت الحاضر من حيث الاحتياطي وتضم (5%) بعد البصرة وكركوك وميسان ومن المرجح أن ترتفع هذه النسبة إلى (10%) بعد البصرة وكركوك , وسوف يبلغ انتاج المحافظة خلال العامين المقبلين الى نحو مليون برميل يوميا , بعد دخول الشركات الأجنبية النفطية للاستثمار في المحافظة , واكتشاف حقول جديدة , مع العلم ان معظم حقول المحافظة غير مطورة باستثناء حقل الناصرية , إذ تمت المباشرة بمرحلة تطوره بداية عام 2007 من قبل وزارة النفط , وهو ما جعل الحقل ينتج (12) ألف برميل يوميا ومع عمليات تطويره زاد إنتاجه إلى (40) ألف برميل يوميا عام 2012 .

كما تضم المحافظة حقل الغراف والذي حصل إئتلاف شركتي (بتروناس الماليزية) وشركة (جابكس اليابانية) حيث ينتج في بدايته (35) ألف برميل وتصاعد إنتاجه إلى (50) ألف برميل يوميا عام 2013 وإلى (230)ألف برميل عام 2017 , إضافة إلى حقل الرافدين (أبو عامود) فضلا عن حقل صبه ويحتوي على (17) بئرا تسعى وزارة النفط لتطوره بجهودها الذاتية.

وهذا من شأنه أن ينعش الحياة الاقتصادية في المحافظة في حالة تطبيق سياسة البترودولار للمحافظات المنتجة , فضلاً عن توفير فرص العمل للعاطلين .     وتتألف منظومة الأنهار في المحافظة من نهري الفرات والغراف المتفرع من نهر دجلة عند سدة الكوت , فضلاً عن ذلك نهر المصب العام والذي قامت وزارة  الموارد المائية (الري سابقا) ووزارة الزراعة والإسكان والاعمار بإنجاز هذا المشروع الحيوي , إذ يبلغ طوله (565) كم إبتداءاً من منطقة الاسحاقي في بغداد ويمر بمحافظة ذي قار إذ يبلغ طوله (172)كم لغاية التقائه بشط العرب , لذا فإن هذا المشروع الاستراتيجي العملاق آثاراً إيجابية تنعكس في عدد من الجوانب وكما يأتي :

  • زيادة الإنتاج الزراعي في المناطق التي يمر بها كما ونوعا , وذلك من خلال زيادة الأراضي الصالحة للزراعة .
  • تطوير الأساس الاقتصادي للمدن التي يمر بها المشروع , فضلا عن تعزيز البيئة الصناعية فيها من خلال التوسع في زراعة المحاصيل الزراعية الداخلة في الصناعة
  • التخلص من الآثار البيئية الضارة المتمثلة بزحف الكثبان الرملية والحد من التصحر وحماية التربة من الانجراف , وذلك بواسطة تشجير المنطقة بأنواع معينة من النباتات التي تلائم البيئة الصحراوية , وتعتمد بإروائها على مياه المشروع المالحة.

وتمتلك محافظة ذي قار موارد طبيعية أيضا متمثلة بالأهوار , إذ تعد أكبر نظام بيئي من نوعه في الشرق الأوسط , وهي ذات أهمية كبيرة من النواحي البيئية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية , فهي توفر بيئة ملائمة لتربية الثروة الحيوانية والسمكية وأنواع من الطيور البرية المهاجرة , لما تتميز به من خصائص طبيعية , فضلاً عن ما تمثله هذه الثروة كمصدر مهم للأمن الغذائي والاقتصادي , وتحقيق مردود مادي للمنطقة من خلال استخدام الموارد المتوفرة .

إن الإمكانيات الاقتصادية المتنوعة والثروات الطبيعية المتوفرة في منطقة الأهوار , يجعلها منطقة ملائمة للاستثمار السياحي وإقامة المنتجعات السياحية , وبذلك يعد القطاع السياحي صناعة العصر الرائجة وأصل غير ناضب، وأحد القطاعات المهمة التي تعتمد عليها العديد من الدول في ايجاد مصادر جديدة للدخل والتشغيل , إذيساعد هذا القطاع على نمو المحافظة اقتصاديا واجتماعيا .

ومع امتلاك منطقة الأهوار المقومات الأساسية الطبيعية والبشرية لقيام وتطور صناعة سكر القصب , وتحقيق الاكتفاء الذاتي من هذه المادة , إذ توفر هذه الصناعة ما يقرب (2000) عامل مختلفي المستويات والمهارات موزعين بين عمالة صناعية وزراعية , فضلا عن الاستفادة من المخلفات العرضية الناتجة عن تصنيع سكر القصب , في مجموعة من الصناعات مثل صناعة ( عجينة الورق , والخشب المضغوط , وخميرة الخبز , والكحول الصناعية) .

 

كما تعد السياحة الدينية احد الانواع المهمة للسياحة وهي تهتم بإشباع حاجات البشر الروحية،وتزخر محافظة ذي قار بوجود اثار اور ومدينة النبي ابراهيم (ع) ذات التأريخ الديني القديم ،والتي في حالة الاهتمام بها وتطويرها سيجعل منها مكاناً سياحيا متميزا يقصد لها الالاف من الزائرين من انحاء العالم كافة .

وبناءاً على ما تقدم فان تطبيق السياسات الاقتصادية الصحيحة في محافظة ذي قار, من شأنها أن تخلق فرص عمل إضافية أمام الأيدي العاملة الجديدة , وهدفها القضاء على البطالة فيها ,وتنويع مصادر الدخل والتخلص من الاعتماد على عوائد الصادرات النفطية. لذا فإن الأنفاق الاستثماري يجب أن يتوجه ابتداءاً للقطاعات المستوعبة للأيدي العاملة وخاصة القطاع الزراعي . والقطاع الخدمي , فضلاً عن قطاع البناء والتشييد وقطاعات الصناعات التحويلية , إذ أن هذه الاستثمارات إذا ما تحققت فإنها سوف تسهم في تنوع مصادر النمو في اقتصاد المحافظة , إلى جانب خلق فرص عمل جديدة , وبالتالي زيادة الأهمية النسبية للقطاعات تباعا ،ومن ثم تشغيل وحداتها الإنتاجية, من خلال منح استثمارات اضافية لها , لاسيما في قطاع الصناعة التحويلية , إذ تعاني العديد من المنشآت والورش من توقف كامل أو جزئي في المحافظة .

 

رؤية استشرافية..

تتوفر في محافظة ذي قار مقومات ومصادر نهضة اقتصادية حقيقية وتتمثل بسعة قاعدة الموارد الطبيعية الغنية والمتنوعة وموارد مائية وقوى عاملة ماهرة وغير ماهرة. إن استثماراً سليماً وادارة فعالة لهذه الموارد من شأنهما ان يساعدا العراق بشكل عام ومحافظة ذي قار بشكل خاص على تجاوز الازمات المالية التي يمر بها في ظل انخفاض اسعار النفط والتخلص من هيمنة قطاع النفط على الناتج المحلي الاجمالي.

  • التحرر من الاتكال المفرط على عوائد تصدير النفط والمباشرة في تطوير وتنويع القطاعات الاقتصادية غير النفطية تمهيدا لخلق اقتصاد متنوع ومتوازن ، من شأنه أن يكفل اشباع حاجات السوق المحلية من المنتجات الزراعية والصناعية والخدمية .ويفتح الطريق لتوجيه الاقتصاد نحو التصدير.
  • ضرورة تصميم سياسات الاصلاح الاقتصادي والمالي والاداري الهيكلي التي تعمل على دعم متطلبات زيادة النمو الاقتصادي والتشغيل وتشجيع القطاع الخاص على زيادة الانتاج والاستثمار في كافة القطاعات والعمل على تهيئة المناخ المناسب لتحفيز الاستثمار الخاص المحلي والاجنبي.
  • لغرض النهوض بالواقع المتردي للنشاط الاقتصادي بشكل عام ونشاط القطاع العام بشكل خاص .لابد من اعتماد استراتيجية واضحة المعالم لتحقيق مبدأ المشاركة بين القطاع العام والخاص بغية اعادة بناء الاقتصاد العراقي.إذ ان مبدا المشاركة والتكامل بين هاتين القطاعين يعد مهماص في اعادة صياغة دور الدولة وتخفيف العبء المالي عنها. وان تكون هذه الشراكة حسب قدرة القطاع الخاص للأستجابة لهذه الشراكة وهذا يتطلب بناء جسور الثقة بين الدولة ومؤسساتها والقطاع الخاص.
  • التوسع في الاقراض والتمويل الزراعي وجذب الاستثمارات المحلية والاجنبية الى القطاع الزراعي للتخلص من التدهور المريع الذي يعاني منه القطاع الزراعي في الوقت الحاضر.
  • التوسع في تقديم القروض للمشاريع الصغيرة والمتوسطة واعادة تاهيلها وتنشيطها اذ تعد من الصناعات كثيفة العمالة بحيث تسهم في توفير فرص عمل كثير وتخفيف الزخم عن كاهل القطاع العام .
  • دعم برامج التنمية الريفية لإحداث التوازن بين الريف والمدينة من خلال تمويل انشاء مشاريع البنية التحتية واصلاح الاراضي الزراعية واقامة المناطق الصناعية والسياحية.
  • الاستفادة من الفرص الاستثمارية المعلن عنها في محافظة ذي قار كإنشاء المدن والمجمعات والفنادق السياحية وتطوير واعادة تأهيل اثار اور وانشاء مدينة سياحية وفنادق ضخمة وتطوير البنى التحية من طرق وكهرباء لإستقبال السواح والزائرين على مدار السنة .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى