اقتصاديةشؤون اقليمية

كيف أفلست الأرجنتين على يد صندوق النقد الدولي ؟!

وحدة الاعلام

قبل قرن من الزمان كانت الأرجنتين من أغنى دول قارة أمريكا الجنوبية و كانت الأكثر جذبا للمهاجرين من القارة العجوز باعتبارها أرض الفرص الواعدة .
لكن الأمور أخذت تدريجيا بالتدهور بسبب الاضطرابات السياسية و الركود الاقتصادي و بدأت البلاد تقترض منذ الخمسينات من صندوق النقد الدولي .. و خلال الفترة الممتدة بين عامي 1956 و 1999 أبرم الصندوق 19 اتفاقية مع الحكومات الأرجنتينية المتعاقبة .. و في مقابل القروض التي منحها للأرجنتين ، حصل الصندوق على حق ممارسة تأثير أساسي في تطوير الهيكل الاجتماعي و الاقتصادي للبلاد .
في عام 1976 جاء الانقلاب العسكري الذي قاده “خورخي فيديلا” ضد رئيسة الجمهورية الأرجنتينية “إيزابيل بيرون” ليؤسس نظاما استبداديا مارس أبشع أساليب القهر و الإرهاب .
حمل “فيديلا” على عاتقه مهمة تنفيذ برنامج اقتصادي مبني على تصورات الليبرالية الحديثة ، قام “فيديلا” بتحرير الاقتصاد و التجارة من توجيهات الدولة ، و القطاع المالي من القيود الحكومية ، و خصخص الكثير من المشاريع الحكومية ، و قام بتخفيض الأجور ، و أصدر قرارا حكوميا يجرم الإضراب عن العمل و رفع معدلات الفائدة بغرض جذب المستثمرين الدوليين .
بعد أن أجبرت الاحتجاجات الشعبية العامة “فيديلا” على تقديم استقالته في عام 1983، كان الكثير من جنرالات الجيش قد تحولوا إلى رجال أعمال و أصبحوا من أصحاب الملايين ، و تراجع الإنتاج الصناعي بنسبة تقترب من 40% ، و ارتفعت الديون الخارجية للبلاد من نحو 8 مليارات دولار إلى أكثر من 43 مليار دولار .
حاول الرئيس الجديد”راؤول ألفونسين” أن يتحايل على الصندوق إرضاءً للجماهير، و لكن الصندوق لم يعجبه الوضع و عاقب البلاد و قام بالتعاون مع البنوك الغربية بتعليق منح البلاد قروضا جديدة ، و هو ما أجبر الرجل على التقدم باستقالته .
الرئيس الجديد للبلاد “كارلوس منعم” تكاتف مع الصندوق و أخضع الأرجنتين لـ”برنامج الصدمة”، السيئ السمعة و قام بإلغاء كافة اللوائح التنظيمية التي تحمي القطاعين التجاري و الزراعي ، و خصخصة القطاع المصرفي بالكامل تقريبا ، و بيع مشاريع حكومية مثل شركة الخطوط الجوية الأرجنتينية و شركة البترول (YPF) إلى مستثمرين أجانب بأبخس الأسعار .
باعت الأرجنتين 40% من الشركات المملوكة للدولة و 90% من القطاع المصرفي ، و حصلت في المقابل على إيرادات إجمالية بلغت حوالي 49 مليار دولار . و حتى هذه المليارات لم تنفق على الشعب ، بل تم إنفاقها على خدمة ديون البلاد للمستثمرين الأجانب .
في تشرين الأول من عام 1999 ، تولى ” فرناندو دي لاروا” رئاسة البلاد خلفا لـ”كارولوس منعم” الذي ترك الأرجنتين تعاني من ركود اقتصادي خانق و دين عام قدره 114 مليار دولار ، و فقراء يشكلون 37% من سكان البلاد.
مرة أخرى قفز صنوق النقد الدولي إلى الواجهة عارضا استعداده لمنح البلاد قرض قيمته 7.2 مليار دولار، ولكن كالعادة هناك شروط .
توصيات الصندوق لم تحول دون ارتفاع ديون البلاد في عام 2000 إلى 147 مليار دولار . و لكن للمرة العاشرة يتدخل الصندوق و يعقد اتفاقا مع الحكومة الأرجنتنية تحصل بموجبه الأخيرة على قروض قيمتها 39.7 مليار دولار بشرط تحرير القطاع الصحي و إلغاء القيود المنظمة لقطاعي الطاقة و الاتصالات ، و المضي قدما في خصخصة المزيد من أصول الدولة .
بحلول نهاية صيف 2001 ، انخفض الإنتاج بنحو 25% ، و اضطرت آلاف المشاريع لتصفية أعمالها ، و أصبح سدس العاملين يتسكعون في الشوارع و الطرقات .
– في كانون الأول عام 2001 ، غادر رئيس البلاد “فرناندو دي لاروا” مع وزير اقتصاده القصر الرئاسي على متن طائرة مروحية بعد أن احتشد الآلاف من المتظاهرين حول القصر احتجاجا على السياسات الاقتصادية للحكومة .
في الثالث والعشرين من الشهر نفسه أعلن الرئيس المؤقت للبلاد “أدولفو روديجت سا” للعالم أن الأرجنتين دولة مفلسة ، و أن البلاد أنفقت كامل احتياطياتها من النقد الأجنبي ، و تعاني من أكبر عملية إفلاس مرت بها أي دولة في التاريخ ، بعد أن تعثرت البلاد في سداد دين قدره 132 مليار دولار.
خلال ثلاثة أشهر ، خسر 200 ألف عامل آخرين وظائفهم ، و انخفض مستوى الإنتاج الصناعي مرة أخرى بنحو 20%، و أصبحت خدمة الديون تشكل وحدها 17% من موازنة البلاد ، و ارتفع معدل البطالة إلى 23%، و انتشرت في كافة أنحاء البلاد أمراض ذات صلة بالفقر ، مثل سوء التغذية و فقر الدم .
في التاسع و العشرين من تموز 2004 ، اعترف صندوق النقد الدولي بأن أخطاءه ساعدت في غرق الأرجنتين و إفلاسها خلال أزمة العملة التي شلت اقتصاد البلاد قبل ثلاث سنوات .
الصورة : آلاف يتظاهرون في الأرجنتين ضد اتفاق مع صندوق النقد لسداد قرض بقيمة 44 مليار دولار عام 2022 .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى