إسرائيل دولة إرهابية، والمجتمع الإسرائيلي هو نتاج تعليم يغرس الأفكار المتطرفة والمعادية للآخر الذي ليس على شاكلتهم، وخاصة العرب المسلمين.
ما سبق هو حقيقة تؤكدها الممارسات الصهيونية في فلسطين منذ إعلان قيام دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، التي تمثل استمرارا لنهج العصابات الصهيونية في فلسطين قبل إعلان دولة للاحتلال الإسرائيلي.
لقد تشكلت الشخصية الإسرائيلية على الإيمان بالصهيونية وأهدافها، وذلك عبر مراحل تعليم مختلفة ذات طابع أيديولوجي، تشحن الأفراد فكريا وعاطفيا، ومن خلال نظام تعليم يهندس عقول وأفئدة المستوطنين منذ نعومة أظافرهم، عبر صبها في قوالب عنصرية واستعلائية وعدوانية اتجاه الآخر.
ومن جديد، فقد أكدت حرب الإبادة الوحشية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة طبيعة عقلية الإبادة والتطرف الإسرائيلية التي تتغلغل في نسيج المجتمع الإسرائيلي على كافة المستويات، وتتجلى في أوضح صورها في النخب الحاكمة، التي تعد الأكثر تطرفا وعنصرية على الإطلاق.
ومن المثير للسخرية أن النظرة الإسرائيلية إلى العرب والمسلمين لم تتغير بعد مرحلة التسوية والتطبيع مع دول عربية، بل زادت تطرفا وعنصرية واستعلاءً، وهو ما يعيد التأكيد على أن الكيان الإسرائيلي المحتل غير مستعد بطبيعته لتغيير نظرته اتجاه العرب والمسلمين، التي تنطلق من عقيدة توراتية فاسدة.
وفي الوقت الذي يستمر التعليم الإسرائيلي في تكريس الكراهية والتطرف ضد العرب والمسلمين، وتتشبع الكتب التعليمية الإسرائيلية بالعنف والتكفير والتطرف، فقد نشطت منذ بداية إرهاصات التطبيع مع الاحتلال العديد من مراكز الدراسات الأمريكية والغربية، والمؤسسات والمنظمات الصهيونية في الهجوم على مناهج التعليم في البلاد العربية، بدعاوى باطلة أنها تحض على التطرف وتعادي الآخر، إضافة إلى كونها تساهم في رفض إسرائيل. وقد صاحب هذه الدراسات تسليط ضوء إعلامي أمريكي وغربي عليها، كما تبنت مراكز صنع القرار الأمريكية والغربية مضامينها وتوصياتها، وترجمتها إلى ضغوط على الدول العربية والإسلامية، بما يخدم التوجهات الاستعمارية.
وقد قادت واشنطن ضغوطا مكثفة على الحكومات العربية، لتغيير المناهج التعليمية ونزعها من هويتها الإسلامية، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول؛ بدعوى حضها على التطرف ومعاداة الآخر، ورغبة في تشكيل عقلية الأجيال الجديدة بما يتوافق مع الأهداف الصهيوأمريكية، الرامية إلى الاستسلام المطلق للإرادة والمصالح الصهيونية، وبما يصب في مصلحة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وكل ذلك تحت شعار التطوير والتحديث، وهو ما استجابت له دول عربية بتغيير كثير مما يعارض الرؤية التطبيعية.
ومؤخرا شن الإعلام الإسرائيلي حملة على الأزهر ومناهجه التعليمية، كما قام ما يُسمى المعهد الدولي للأبحاث والسياسات (impact- se) الذي يبحث ويحلل الكتب الدراسية في العالم بانتقاد مناهج التعليم في الأزهر بدعوى حضها على الكراهية، خاصة اتجاه دولة الاحتلال الإسرائيلي.
المناهج التعليمية في إسرائيل تمثل حالة فريدة في العالم، ولا مثيل لها على الإطلاق، إذ تغرس في التلاميذ وتحضهم منذ المرحلة الابتدائية، مرورا بالمراحل التعليمية المختلفة، وحتى الجامعة، ليس على كره الفلسطينيين والعرب فقط، ولكن على قتلهم بدعوى أنهم “أغيار”، ويشكلون خطرا وجوديا على إسرائيل.
دراسات عديدة تناولت بالبحث والتدقيق الفكر المتطرف في المناهج التعليمية الإسرائيلية، ليس من جانب باحثين غير إسرائيليين فحسب، ولكن من جانب باحثين إسرائيليين عديدين.
فهناك العديد من الدراسات الإسرائيلية التي تناولت الكتب الدراسية الإسرائيلية، وما تعج به من عنصرية وكراهية وتطرف ودعوات إلى قتل الآخر، منها: دراسة للباحث “دانيال بارتال” بجامعة تل أبيب، أشارت إلى أن الكتب الدراسية الإسرائيلية تؤكد مشروعية وإنسانية حروب إسرائيل ضد الفلسطينيين والعرب والذين يرفضون حق إسرائيل في الوجود. كما أشارت الدراسة إلى أن اليهود شجعان وصناعيون، والفلسطينيون شعب بدائي يعيش على التخريب والحرق والقتل.
وفي دراسة ثانية للباحث الإسرائيلي من الجامعة العبرية “إيلاي بوده”، تشير الدراسة إلى أن المفاهيم التي تُغرس في عقول طلاب المرحلة الثانوية تُظهر مشروعية كل ما تقوم به إسرائيل، وتقول إن ما يقوم به العرب غير مشروع وعنيف، وإنهم يريدون القضاء على إسرائيل.
أما الباحثة الإسرائيلية “إدير كوهين”، التي أخضعت للبحث المناهج الإسرائيلية من الصف الرابع إلى الصف السادس، فتشير في دراستها إلى أن العربي في هذه المناهج، هو: مجرم وإرهابي وخاطف للأطفال، وإلى أن الفلسطينيين شياطين. وقد أشارت الباحثة في دراستها إلى أن ما لا يقل عن 80% من طلاب المدارس يرون العربي قذرا وصاحب وجه متسخ، كما أن 90% منهم يرون أنه لا حق للفلسطينيين في أن يعيشوا على الأراضي الفلسطينية.
وعلى نفس المسار، وتأكيدا لما تحتويه المناهج التعليمية الإسرائيلية من فظائع فكرية اتجاه “الأغيار” العرب والفلسطينيين، جاء كتاب “فلسطين في الكتب المدرسية في إسرائيل” المترجم إلى اللغة العربية، للباحثة والأكاديمية الإسرائيلية نوريت بيليد -الحنان، المحاضرة في اللغة والتعليم، وعالمة اللغويات في الجامعة العبرية في القدس، والناشطة في مجال حقوق الإنسان، التي خلصت من خلال دراستها لكتب التعليم الإسرائيلية إلى أنّ نظام التعليم في إسرائيل يجهز الطلاب في إسرائيل ويُعدُّهم للقيام بالأعمال الإجرامية في الجيش لاحقًا، وذلك على نفس نهج النظام التعليمي النازي.
تعجز مساحة هذا المقال عن الإحاطة بحقيقة الطبيعة العنصرية والإبادية والاستعلائية في مناهج التعليم الإسرائيلية، لكن هذه السطور مجرد لفت لنظر المهتمين بالأمر إلى الخطر الداهم على الأمة العربية والإسلامية، ويتمثل ذلك في مجتمع يتربى على أن بقاءه مرتهن بفناء الوجود الفلسطيني والعربي.
هناك من يرى قصورا في تناول الداخل الإسرائيلي بالدراسة والبحث، وخاصة مناهج التعليم الإسرائيلي، لكن الحقيقة أن هناك العديد من الدراسات والكتب لإسرائيليين وعرب، تناولت بشفافية وموضوعية الداخل الإسرائيلي، والمناهج التعليمية الإسرائيلية، وما تحويه من فظائع فكرية تجعل من إسرائيل عنوانا صريحا للدولة الإرهابية، لكن المشكلة تكمن في عدم تسليط الضوء عليها، وعزوف الإعلام العربي المقروء والمرئي عن تناولها بجدية واهتمام، وتقديمها للشعوب، وحث صناع القرار على التعرف على خطورة طبيعة عقلية وثقافة مجتمع المستوطنين في فلسطين المحتلة، وذلك على خلاف ما يقوم به الإعلام الأمريكي والغربي المُهيمَن عليه صهيونيا، من تلقّف أي ادعاءات كذوبة، ودراسات موجهة ومبرمجة تخص التعليم العربي والإسلامي، وتحويلها إلى فرص للضغط بما يخدم المصالح والتوجهات الغربية الاستعمارية.