خمسة واربعون عاما مضت من عمر الثورة الاسلامية في ايران وما زالت هذه الثورة المعطاء تمثل نموذج التحرر من التبعية واستقلالية القرار السياسي والثقافي والاجتماعي، واصل فيها الشعب الايراني المسلم قدرته على تقديم نموذج حكم يمثل تطلعاته، ورفضه للهيمنة الامريكية والاستعلاء الغربي، كما دفع ضريبة وقوفه مع قضايا الامة والانسانية عموما، بدعمه حركات التحرر، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية بوصفها قضية المسلمين المركزية.
نعم لقد الهمت هذه الثورة الشعوب، واطلقت العنان لفصائل المقاومة بعد تمكنها من ادواتها وبناء قدراتها، لمواجهة المستكبرين وادواتهم الرخيصة ووكلائهم الاقليميين، فباتت هذه الثورة مثالا للالتزام بهذه القضايا، وقطبا يعيد صياغة معادلات الممانعة ومحاربة مشاريع ومخططات قوى الظلام، فتحققت نبؤة مفجر الثورة وقائدها الامام الراحل روح الله الموسوي الخميني قدست نفسه الزكية، والذي اكد اهمية “ان يصحو المسلمون، ويدركوا مدى القدرة التي يمتلكونها لمواجهة اعدائهم” ومن يحاولون التحكم بمقدراتهم، وهو ما نراه من معادلات صمود وبسالة في معركة التخلص من براثن الاحتلالات الغربية والتبعية لقراراتهم المجحفة التي لاتقيم وزنا للشعوب وحريتها وكرامتها.
لقد سعت الثورة الاسلامية لتحرير ارادة الانسان وسعت لبنائه وتعزيز استقلالية الشعوب ودفعها لتجنب التأثر بخطابات الهزيمة والخضوع لرغبات المستعمرين ممن سعوا لتذويب الهوية الاسلامية ومحاربتها بكل الوسائل والاساليب القذرة بحجة تعارضها مع الحداثة والتكنولوجيا والتقدم، فعمدت قيادة الجمهورية الاسلامية لتربية جيل عقائدي مقاوم مسلح بالعلم والمعرفة، قادر على هزيمة كل العقبات التي تواجهه، ودحض كل تلك الاقاويل الساذجة المحبطة لتقتحم هذه الثورة المباركة ميادين العلم ومجالات المعرفة وتطوع التكنولوجيا لخدمة الشعب الايراني ولتمتد بعيدا لتوضع في يد المقاومين لتمكينهم من مواجهة المعتدين الساعين لاستلاب حريتهم، لتكون منجزات هذه الثورة ملكا لجميع الشعوب المؤمنة بالمقاومة نهجا وسلوكا، حتى اصبح اسم ايران الاسلام مصدر خوف، وسلاحها الذي تمنحه للمستضعفين مصدر رعب وخوف يضرب اوكار الطامعين والمحتلين الغاصبين.
خمسة واربعون عاما من العطاء، لم تتوقف فيها ايران عن تأكيد مواقفها الاسلامية والانسانية، ونهجها في الدفاع عن المظلومين والمحرومين، مدركة ان واجب النصرة لهم، يتجاوز الشكليات والخطابات والاقاويل، لتمضي بخطوات واثقة نحو تأسيس محور مقاوم يسوم الصهاينة والاميريكيين العقاب، ويجعل من المواجهة معهم درسا هاما تتهاوى فيه نظريات التفوق وتسقط من حساباتاتهم انهم قوة لاتهزم، فلا مجال للتشكيك بعطاء هذه الثورة واخلاص رجالاتها، كما لا يوجد شك، بأن نهج المقاومة والردع هو النهج الذي يدفع الغاصبين للتراجع والتقهقر والاقرار بالهزيمة والعجز.
ان ما تحقق خلال هذه الاعوام يفتح الباب مشرعا امام تلك النبؤة الاعظم بحتمية زوال الكيان الصهيوني، وهزيمة من يدعمونه ويقفون معه لتكريس واقع الابادة والاجرام والقتل والافلات من العقاب، هذا العقاب الذي بدأ فعليا منذ عقود على ايدي المقاومين الشجعان، ولن ينتهي الا بعد ان يدفعون اثمان ما اقترفوه من جرائم، فخاب ظنهم وتبددت اوهامهم بالقدرة على محو اثار تلك الجرائم، عبر ممارستهم سلوك الغطرسة والاصرار على الغاء الاخر، بل وسلبه حقه في الدفاع عن نفسه، ولعل ما نعيشه اليوم من مشاهد قوة واقتدار بوحدة الساحات وتماسكها وتعدد وتكامل ادوارها يؤكد هذه الرؤية ويعزز الهزيمة والانكسار والرعب بين صفوف الاعداء المارقين، وصولا لما بدأته ثورة الشعب الايراني المسلم وقيادته الحكيمة، التي حددت المسار بأتجاه الهدف الاسمى وهو اعادة هيبة الأمة وكرامتها وتوحيد كلمة ابنائها تحت راية الاسلام العظيم…