أن السِّلْم مبدأ من المبادئ القرآنية والإنسانية، كما جاء بالقرآن الكريم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة: 208] السلم عبارة عن راية يلتقي تحتها المسلمون في أمن واستقرار وتعاون ألا وهي راية الإسلام ﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ أي ادخلوا تحت هذه الراية التي تظللكم بالأمن والاستقرار والطمأنينة، السلم الاجتماعي له معنيان: معنى لغوي ومعنى اصطلاحي، فالمعنى اللغوي “السلم الاجتماعي هو عبارة عن الاستقرار والأمن فالمجتمع الآمن هو الذي يعيش سلماً اجتماعياً والمجتمع الآمن هو الذي يعيش استقراراً” والمعنى الاصطلاحي “عندما يعرف علماء الاجتماع هذه المفردة السلم الاجتماعي تعني هو ما يبتنى على ثلاثة عناصر: الاستقرار الأمني، العدالة، احترام الآخر، فإذا توفرت هذه العناصر الثلاثة عاش المجتمع مبدأ السلم الاجتماعي” ،ان رؤية السيد السيستاني دام ظله الوارف طيلة فترة اضطلاعه بمرجعية الشيعة ولحد الان في بلد مثل العراق متعدد الاعراق والطوائف مع التعريف بالمنعطفات الخطيرة والمصيرية التي مرت على العراق ولعل اجلاها بعد ٢٠٠٣وتهاوي مقومات الدولة بكافة مؤسساتها وبناها التحتية وتهديد السلم المجتمعي للوضع حينذاك افتى بعدم جواز التعدي على ممتلكات الآخرين بغض النظر عن مواقفهم ومناصبهم التي كانوا يشغلوها في إبان حكم النظام المباد فضلاً عن الممتلكات العامة هنا نتكلم عن الملكيات الفردية للأشخاص اذ انبرى للتصدي لدعوات الثأر وتصفية الحسابات على كافة الأصعدة وأوصى بأيكال ذلك للمحاكم والحق العام واصحاب الحق الشخصي وقد اعترف بذلك المحتل واعتبره صمام الأمان للبلد بل للمنطقة اجمع. ناهيك عن اراء المرجعية بعمليات ارساء القواعد والأسس الدستورية المتينة التي من شأنها تنظيم عمل الدولة والافراد والانفتاح على عالم ما بعد التغيير فتاره نجد رؤى إصلاحية وتوجيهية وتقويمية والمتتبع يرى ذلك جلياً في احداث العراق للعشرين سنة الأخيرة، تعتبر مرحلة داعش وما بعدها من احلك الظروف التي مر بها الشعب العراقي فكانت رؤية وتوجه السيد السيستاني على وجه الخصوص لعدم تغليب النزعة الانتقامية وتحييد الاهالي من ابناء المناطق المحررة عن كافة أشكال العنف وعدم تحميلهم تبعات الأوضاع التي باتت معروفة للقاصي والداني وشدد على تقوية عرُى الاخوة والوحدة الوطنية مع كافة ابناء الوطن الواحد وخلق مجتمع ينبذ مظاهر الانتقام والتوجه لتغليب مصلحة الوطن على كافة المستويات وإحلال ثقافة تقبل الآخر، وغيرها الكثير الكثير من المواقف والسياسيات التي انتهجتها المرجعية الرشيدة ليومنا هذا، لطالما كانت رؤية المرجعية إجمالا واسعةٌ وشاسعة ونحن نقتصر على متطلبات تحقيق السلم الاجتماعي بين العراقيين جميعاً، فالمرجعية الدينية العُليا في النجف الأشرف لها رؤية واضحة وبيّنة تجاه الأحداث التي تجري في البلد قبل سقوط النظام وما بعد ذلك الى يومنا هذا، وهذه الرؤية ثابتة لا تغيّر فيها وهي تعمل وفق هذه الرؤية بخطوات ثابتة وواضحة فليس هناك ما هو خفيّ أو ما هو لغز في عمل المرجعية الدينية العليا، أن المجتمع العراقي باعتبار أنّ فيه أطيافاً متعددة ومتنوعة من الأديان والمذاهب والقوميات فإنّه لا يصلح شأن هذا البلد إلّا بإقامة دولةٍ مدنيةٍ يتوافق عليها جميع العراقيين ويتّفقون على إدارة هذا البلد بالشكل الذي يخدم مصالحهم جميعاً ومصالح العراق، وبالتالي فإنّ دعوتها ثابتة على تكوين دولة قوية في العراق تقوم على احترام مؤسساتها ولا تقوم على زعامة الشخص كما كانت في الأنظمة السابقة، وبالتالي يجب على الجميع أن يعملوا على إقامة هذه الدولة وإسنادها وتقويتها حتى تكون حِصْناً لهم وتؤدّي المهام الموكلة اليها “أنّ الدولة المدنية لا تُبنى على تملّكات الزعامة الفردية أو الزعيم الأوحد أو القائد الضرورة أو غير ذلك ممّا ألفناه في الأنظمة السابقة، إنّما تقوم على بناء مؤسسات قوية تبقى صامدة مع تغيّر الحكومات وتغيّر الأنظمة، في نظام الحكم هنالك كيان اسمه الدولة وهي غير الحكومة، فالحكومة تدير الدولة وعلى الجميع إسناد هذه الدولة بكافة منشآتها، والاقتصاد جزء من هذه الدولة إن كان اقتصاداً عاماً أو اقتصاداً خاصّاً، يجب على الجمهور أن ينسى ما ألفه في الأنظمة السابقة ومفهوم أنّ الدولة تعني “الحاكم” لينعم بروح المواطنة ومن الدلائل التي تشير إلى تبلور فكرة المواطنة وتمتين السلم المجتمعي للوضع الراهن الذي تنتهجه المرجعية الدينية العليا والمتمثلة بالسيد علي الحسيني السيستاني بالعراق وخارج العراق هي وقوفها ولحد الآن على مسافة واحدة عن جميع مكونات المشهد السياسي العراقي بالإضافة الى ادوات السلطة والحكم وامتناع المرجعية عن تأييد او الإشارة لطرف ما دون آخر،
وهذا لا يعني ابتعادها عن شؤونات التصدي لما فيه مصلحة وخير العباد والبلاد اذ تعمل أي المرجعية بحركة دؤوبة لزج العراق بكافة المحافل والمحاور التي من شأنها جعله بلدا عزيزا مهابا وقد ترجم ذلك باللقاءات المستمرة للمنظمات والتكتلات الدولية والإقليمية الأممية … أوضحت المرجعية رأيها مرارا وتكرارا أن أصل الفيدرالية ونوعها المناسب للعراق يجب أن يقرره الشعب العراقي عبر ممثليه المنتخبين، مشيراً إلى أن الإسلام هو دين غالبية الشعب العراقي، وإذا كتب الدستور بأيد عراقية منتخبة من قبل العراقيين، فمن المؤكد أنه سيمثل قيم الإسلام وتعاليمه السمحاء، وبالعودة لحقبة الاحتلال الأمريكي للعراق ۲۰۰۳م وبعد صعود “التيارات السياسية الإسلامية والقومية والمدنية إلى السلطة في العراق” اثر سقوط النظام البائد ظهرت بعض الأصوات الشعبية تطالب بإشراف المرجعية الدينية ورعايتها في النجف الأشرف وعلى رأسها (آية الله العظمى السيد علي السيستاني) للعملية السياسية في العراق وعدم ترك الأمور بيد الاحتلال وتلك التيارات السياسية المختلفة، وفعلا دعت المرجعية الدينية الشريفة إلى اخذ رأي الشعب في كل الأمور التي تخص البلد ابتداءآ من الدعوة إلى تشكيل حكومة عراقية وإنهاء سلطة الاحتلال المؤقتة ثم الدعوة لكتابة دستور دائم للبلاد من قبل العراقيين والدعوة أيضا لإجراء انتخابات حرة ونزيهة لانتخاب أعضاء المجالس المختلفة ( مجلس النواب، ومجالس المحافظات والاقضية والنواحي) لقد كانت المرجعية وما زالت على علم ودراية بمخططات الاحتلال في زرع الفتنة الطائفية وتقسيم البلد الى دويلات متناحرة قائمة على الاصطفاف الطائفي والمناطقي والتي يمكن عدها القنبلة الموقوتة التي تهدد النسيج الاجتماعي العراقي، وإن إثارة الدوافع والانفعالات المذهبية من جهات دينية ورسمية وسياسية ستكرس الكراهية ثم الرغبة في الانفصال وتقسيم العراق إلى دويلات صغيرة، ثم تصاعد هذا الدور وبشكل ملفت للنظر بعد دخول تنظيم داعش الإرهابي للعراق وسيطرته على ثلث مساحة العراق تمثلت في أجزاء واسعة مهمة في الموصل والانبار وكركوك وباقي المدن العراقية أنبرت المرجعية بأعلان فتوى الجهاد الكفائي لصد التنظيمات الإرهابية والدفاع عن الوطن والمقدسات. وهنا لابد من الإشارة الى ان المرجعية الدينية أضافت دافعا جديدا لبناء روح المواطنة والتسامح بين ابناء الشعب الواحد : إذ أنّ المقاتل في وظيفة براتب، أي يتقاضى راتباً مقابل جهده الذي يقوم به في سبيل الوطن قد لا يكون عنده دين، فهو إنسان قد يكون بدون دين هذا أيضاً له الأجر في هذه الدنيا، أمّا المرجعية الدينية فمع إيمانها بوجوب المقاتلة من أجل الراتب ما لم يوجد مانع، هذه وظيفةٌ وعليه أن يؤدّي وظيفته كما ألزم نفسه بالعقد، نعم أنّ الإنسان يقاتل من أجل وطنه هذا شيءٌ نبيل ومهم ويجب أن ندعم هذا الفكر الذي هو حبّ الوطن والدفاع عنه، أضافت المرجعية بُعداً آخر هو البعدُ الأخروي “في الآخرة” كما لا ننسى دور المرجعية لحث ابناء العشائر في حماية السلم الأهلي في الفترة الأخيرة، بعد الاحداث التي شهدتها بعض المحافظات الوسطى والجنوبية، والوقوف مع الشعب في مطالبته بالتغيير ومحاسبة المسؤولين المقصرين والفاسدين وتوفير الخدمات للشعب مشيرة الى أنهم قاموا بدور مشهود في حماية السلم الاهلي ومنع الفوضى والخراب وترجم ذلك في كلمة تلاها ممثلها الشيخ عبد المهدي الكربلائي، في خطبة الجمعة، من الصحن الحسيني، في كربلاء “لا شك في أنّ الحراك الشعبي اذا اتسع مداه وشمل مختلف الفئات يكون وسيلة فاعلة للضغط على من بيدهم السلطة لإفساح المجال لإجراء اصلاحات حقيقية في إدارة البلد ولكن الشرط الاساس لذلك هو عدم انجراره(الحراك)الى أعمال العنف والفوضى والتخريب، فانه بالإضافة الى عدم المسوغ لهذه الأعمال شرعاً وقانوناً ستكون لها ارتدادات عكسية على الحركة الاصلاحية ويؤدي الى انحسار التضامن معها شيئاً فشيئاً”. لم تكن رؤية السيد السيستاني لأمور البلد وما تؤول اليه وللمنعطفات المتوالية والاحداث المتداخلة قاصرة على الانكفاء والتقوقع بدائرة الدين والتسليم لمجريات الامور الغيبية فقط بل كان لأدوات الحرب الناعمة المضادة حضورا فاعلا وايجابيا من خلال المبلغين ورجال العلم وانشاء الجمعيات والمؤسسات كمؤسسة العين الانسانية مثال على ذلك وغيرها الكثير ذات الطابع الانساني بالدرجة الاولى وكان الهدف هو اصلاح واستثمار الانسان نفسه اذ ان المواطن العراقي مهما اختلف دينه ومعتقده كان وسيبقى هو محور الاهتمام للمرجعية الرشيدة وقد اكدت ذلك من خلال مواقفها وخطب الجمعة وسياسية المرجعية على أرض الواقع خير دليل على ذلك.وفي الختام ياأيها المرشحون للمجالس المحلية(المحافظات) فلتجعلوا نصب أعينكم وهدفكم الاوحد هو خدمة الشعب والمجتمع ولا تجعلوا من المنصب أداة لتصفية الحسابات والخصوم ،ولتكن الرؤية شاملة وعامة وليست مخصصة لجهة او فئة دون اخرى والتاريخ ليس ببعيد عن تهاوي دعائم الظلم والاضطهاد بيد الشعب نفسة ولكم في القصاص عبرة…