عراقيةمقالات

   فتوى…وطن

بقلم : أحمد زايد عبدعلي   - مركز تبيين للتخطيط والدراسات الستراتيجية 

في الوقت الذي أخفقت فيه تحالفات دولية كبيرة في القضاء على تنظيم داعش المتمركز في أرض العراق والعابث فيها فساداً وحسب تصريح رئيس الولايات المتحدة الامريكية “أوباما” ان العراق بحاجة الى 30 عاما حتى يستطيع التخلص من ما يسمى ب (داعش)…

تكون الحشد الشعبي استجابة لفتوى أطلقها المرجع، السيد علي السيستاني بعنوان الجهاد الكفائي، والتي تدعو العراقيين المدنيين إلى حمل السلاح والتطوع ومساندة الجيش العراقي لمحاربة التنظيم الذي كان قد أحكم سيطرته على الموصل ثاني أكبر المدن العراقية، وقام بارتكاب سلسلة من الجرائم، في مقدمتها عمليات القتل على الهوية، وتفجير مواقع دينية واثرية تجسد رموزا مقدسة بالنسبة للعراقيين وللعالم وكان قد بدأ يتوجه نحو بغداد بعد انهيار القطعات العسكرية وجميع قياداتها المرابطة في تلك المناطق، واضعاً نصب عينية تفتيت هذا البلد الشامخ والنيل من ابناءه.

أنبرت المرجعية الدينية ومن عنوان المجد والعطاء من كربلاء الحسين بفتوى الدفاع الكفائي بتاريخ الثالث عشر من حزيران ٢٠١٤ ودعت إلى ضرورة وقوف الجميع ضد ما يسمى بداعش مما دفع الحكومة آنذاك إلى تبني فتوى المرجعية ودعم الجموع التي انطوت تحت مظلة الحشد الشعبي بالموارد والمعدات اللازمة خصوصا الفصائل المقاتلة، منها ومجموعات مدنية تطوعت وتسلّحت بعد الفتوى وقوات الدعم اللوجستي.

ان فتوى السيد علي السيستاني مثّلت نقلة كبيرة في تحقيق الانتصارات وإلحاق الهزيمة النكراء بداعش، حيث وقف أبناء العراق، من شماله حتى أقصى جنوبه، وقفة واحدة مشرّفة، والتفوا حول صفوف أبناء القوات المسلحة، فكانوا خير سند لهم، نعم نهض أبناء العراق، في مثل هذا اليوم قبل تسع سنوات وليومنا هذا، للدفاع عن الأرض وصون العرض ولطرد العصابات الإرهابية التي حاولت فرضَ سيطرتها على أرض الحضارات ومهدها ونشر فكرها الظلامي.

وكانت هي نقطة التحول اي “الفتوى المباركة” أدهشت العالم أجمع، في وقوف أبناء العراق للدفاع عن وطنهم، بعد أن راهن الجميع على عدم قدرتهم في الخروج من هذه الأزمة، لقد كان لهذه الفتوى الدور الكبير في استنهاض الروح الوطنية وشحذ الهمم لدى أبناء العراق ودفعهم للالتفاف حول قواتهم المسلحة، للدفاع عن وطنهم وطرد الأعداء، فكانت المعارك المشرّفة والتي يشهد لهم بها اليوم القاصي والداني لما قدموه من بطولات وتضحيات جِسام في سبيل تحرير الأراضي المغتصبة من دنس الأعداء. إننا اليوم إذ نستذكر الذكرى التاسعة لفتوى الجهاد الكفائي، التي أطلقتها المرجعية الرشيدة في النجف الأشرف، لابد أن نُبيّن ما لهذه الفتوى من دور كبير في قلب كفة المعادلة، فقد كانت نقطة التحول التي أسهمت، بشكل كبير، في تحرير المكان والانسان على حد سواء كونها لامست مشاعر العراقيين وقلوبهم التي كانت تصبو نحو إنقاذ إخوانهم والدفاع عنهم، فحملوا السلاح وهبّوا في الدفاع عن الوطن وإيقاف زحف العصابات الإرهابية التي كانت تسعى جاهدة لنشر سمومها وظلام أفكارها في أرض العراق لطمس هويته وسرقة إرثه وحضارته. وقد قدّم العراقيون، من خلال معاركهم تلك، دروساً للعالم أجمع بحب الوطن والتضحية في سبيله والغيرة الوطنية لبلدهم والإنسانية لأبناء شعبهم حالما سمعوا نداء المرجعية الدينية الشريفة ولبوه.

إن فتوى الجهاد الكفائي، كان لها الدور الكبير والمشرف في إيقاف امتداد عصابات داعش وفضح إجرامهم وزيف أفكارهم التي كانوا يحاولون فرضها على أبناء العراق، وإفشال مخططاتها الساعية لتدمير البلاد وقد كانت انعطافه حقيقية في حسم المعارك وتحقيق النصر.

وبوقت قياسي تمكنت فصائل الحشد الشعبي من الحاق خسائر كبيرة في تنظيم داعش وإيقاف تقدمه، ونجحت في تحرير مناطق سيطر عليها التنظيم لسنوات عديدة بالإضافة الى قيام الحشد الشعبي بتقديم الدعم اللوجستي الميداني للجيش العراقي وبشكل ملحوظ.

الحشد حشدكم

وفي يوم ٢٦ تشرين الثاني ٢٠١٦ وسط مقاطعة عدد لا يستهان به من نواب المناطق المحررة: أقر مجلس النواب العراقي قانون هيئة الحشد الشعبي، ونص القانون على أن قوات الحشد ستكون قوة رديفة إلى جانب القوات المسلحة العراقية وترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة وبهذا قد اكتسب هذا الحشد المبارك الصفة التشريعية والقانونية رغم أنوف بعض المتخاذلين والرافضين لفكرة حشد يحمي الدولة …حشد يبني الدولة…حشد هو من الدولة وللدولة.

وهنا لابد من الإشارة الى ان المرجعية الدينية أضافت دافعا جديدا لبناء روح المواطنة والتسامح بين ابناء الشعب الواحد : إذ أنّ المقاتل في وظيفة براتب، أي يتقاضى راتباً مقابل جهده الذي يقوم به في سبيل الوطن قد لا يكون عنده دين، فهو إنسان قد يكون علمانيّاً أو بدون دين هذا أيضاً له الأجر في هذه الدنيا، أمّا المرجعية الدينية فمع إيمانها بوجوب المقاتلة من أجل الراتب ما لم يوجد مانع، هذه وظيفةٌ وعليه أن يؤدّي وظيفته كما ألزم نفسه بالعقد، نعم أنّ الإنسان يقاتل من أجل وطنه هذا شيءٌ نبيل ومهم ويجب أن ندعم هذا الفكر الذي هو حبّ الوطن والدفاع عنه، أضافت المرجعية بُعداً آخر هو البعدُ الأخروي “في الآخرة”

‏وبهذه الذكرى المباركة نحيي المرجعية الرشيدة المتمثلة بالسيد علي السيستاني (حفظه الله) لدوره الكبير في وحدة الصف العراقي في الدفاع عن الوطن والتضامن لحفظ سيادة البلد والسلم المجتمعي، ووقفة إجلال وإكبار للشهداء الذين جادوا بأرواحهم في معارك الكرامة، ودعوانا للجرحى الأبطال الذين سالت دماؤهم من أجل العراق وشعبه بالشفاء.

الحشد الشعبي نظرة من الداخل

أن عملية تحليل ودراسة سيكولوجية الهوية الدينية عموما والحشد الشعبي على وجه الخصوص وفهم أيدولوجياته التي أنشئ وسيبقى من أجلها هذا كله لو قرأ قراءة منصفة وموضوعية سيكون هو حجر الزاوية الذي يستند عليه صانعي السياسات العراقية في إيجاد حلول وبرامج مستدامة للمشاكل المرتبطة بالأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وأيضا محاولة تجنيب البلاد المزيد من حالات الفوضى الداخلية والخارجية خصوصا في العلاقة مع دول الجوار والشرق الأوسط.

نظرة استشرافية لمستقبل أفضل

من وجهة نظري القاصر أضع بين ايديكم بعض المألات التي تحف بمجتمعنا والاطر المفترض اتباعها لشخصنة اهم معوقات النهوض ببناء البلد وبناء الانسان والنأي عن كل ما يفرق الراي والكلمة ما خلا عن الثوابت والاسس الوطنية الثابتة وهي كالتالي:

  • أصبح لزاماً ومن الضروري استثمار حركة التغيير التي تطرأ على الجيل الجديد في العراق من خلال تقديم الدعم والإسناد لمؤسسات المجتمع المدني العراقية فيما يتعلق بتعزيز ثقافة المساءلة وفرض سيادة القانون على الجميع.
  • الاندماج الاجتماعي عبر التمكين الاقتصادي من خلال دعم البرامج والأنشطة المدرة للدخل عبر إحداث فضاءات جديدة متخصصة في التسويق التضامني لمنتجات التعاونيات المساهمة في الإدماج الاقتصادي وغيره ونرى ذلك جليا في استثمار بادية المثنى من قبل أبناء الفتوى المباركة.
  • ‏تفعيل برامج التربية المدنية والمشاركة السياسية. وكسب التأييد والمواطنة القائمة على حقوق الإنسان بالإضافة إلى تنمية ومحاكاة مهارات الإعلام الرقمي.
  • تبني وتوسيع مبادرات ترشيد الخلاف مع المجاميع وتبني نهج الحوار العقلاني ووقف سياسة تدويل الهوية الطائفية لان مصلحة العراق العظمى تتطلب معالجة أزمات الداخل خصوصا في ظل تفشي الفساد وتردي الحالة الاقتصادية والاجتماعية.
  • زيادة مساحة الحوارات الحكومية مع الشباب والمجتمع، وتشجيع الشباب على المشاركة في الانتخابات التشريعية القادمة. والحرص على إشراكهم في مراقبة العملية الانتخابية وتسهيل تواجد البعثات الدولية لمراقبة الانتخابات للمحافظة على نزاهة الانتخابات ومنع العبث بإرادة الناخبين.
  • العراق قادر على استعادة ثقة جميع أبناءه وبكافة توجهاتهم والسيطرة على الجماعات المنفلتة من خلال فرض سيادة القانون، حيث أن التشريعات الموجودة الآن جيدة على المستوى النظري، ولكن تفعيلها يحتاج إلى قوة إنفاذ تأتي من خلال فرض سيادة القانون في المجال السياسي والمجال العام، والثقافة الديمقراطية القائمة على المواطنة والتي يحددها أبناء الشعب هي السبيل الوحيد لهذا الهدف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى