اقتصاديةبحوث ودراساتمقالات

الخصخصة في الاقتصاد العراقي بين الضرورات والسبل الملائمة

إعداد - م. م. هاني مالك العسكري/ مركز تبين للتخطيط والدراسات الستراتيجية  

 

 

المقدمة

يعد القطاع الخاص العمود الفقري لأقتاد السوق , وله دور كبير في تخصيص الموارد وتوجيهها نحو الاستخدامات الاكثر كفاءة . اذ اعتمدت العديد من اقتصاديات التحول نحو القطاع الخاص بوصفها الية اساسية للتحول الى اقتصاد السوق , والانفتاح الاقتصادي في محاولة منها الاندماج في الاقتصاد العالمي , والاستفادة من الفرص المتأتية من ذلك . ان الية التحول نحو القطاع الخاص ارتبطت ارتباطا وثيقا بعمليات الاصلاح الاقتصادي التي اجتاحت العديد من الاقتصاديات , والتي تهدف بالأساس الى التغلب على الاختلالات الهيكلية الحاصلة في النشاط الاقتصادي عموما ,والتي يأتي قدر كبير منها من اداء مؤسسات القطاع العام , ورفع مستوى الكفاءة في الاداء الاقتصادي , من خلال الاعتماد على السوق في اتخاذ القرارات الاقتصادية. وهنا لابد من بروز دور القطاع الخاص كمحور رئيس لتفعيل النشاط الاقتصادي , والقيام بدور فاعل في عميلة التنمية الاقتصادية . ان التجارب الدولية تشير الى ان برامج الخصخصة يجب ان ترتكز بالأساس على تهيئة نظام كفوء لا يهتم فقط بتوسيع نصيب القطاع الخاص فحسب , وانما بتهيئة مناخ افضل  لأتخاد القرارات وبمهارات تنظيمية وقدرات ابداعية افضل. ان تقييم فرص النمو والتنمية المستدامة في العراق واخفاقهما يتطلب الوقوف على اساس المشكلة التنموية , والاسس والمقومات الفعلية التي يمكن من خلالها اعطاء دفعة قوية للاقتصاد , فمعدلات تدني نمو الناتج المحلي خارج القطاع النفطي وعلى نحو بات يتناسب وتدني انتاجية الاستثمارات في القطاع الحكومي, إذ لايزال النشاط الاستثماري الحكومي لقطاعات الدولة الاقتصادية يهيمن على نسبة كبيرة من اجمالي الاستثمارات الكلية . وعليه وبعد ان اثبت التخطيط والادارة المركزية اخفاقهما في تحقيق الاهداف التي انيطت بهما , لابد من افساح المجال امام القطاع الخاص لتولي ادارة النشاط الاقتصادي باستراتيجية تتناسب وواقع الاقتصاد العراقي ,ومؤهلات القطاع الخاص.

اهمية البحث: انطلاقا من التبدل الجوهري في السياسة الاقتصادية العامة للدولة تظهر الحاجة الى ضرورة ادراك اهمية القطاع الخاص , وحاجة البلاد اليه لتوليد الكثير من الاستثمارات الضرورية لتوسيع قاعدتي الاستثمار والتوظيف والمساهمة بشكل رئيسي الى جانب الحكومة في توليد الناتج المحلي الاجمالي وبناء قواعد الانتاج .

فرضية البحث. ينطلق البحث من فرضية مفادها ان مبدأ الشراكة والتكامل بين القطاعين العام والخاص يعد مهما وضروريا في الاقتصاد العراقي . وعليه فان النموذج العملي الملائم للاقتصاد العراقي هو نموذج اشتراكية السوق .

مشكلة البحث: ان موضوع الخصخصة الذي بات يطرح في الاقتصاد العراقي وكانه حل جاهز او علاج سحري يمكن تقديمه بيسر وامان عن طريق تحويل الملكية من القطاع العام الى الخاص الذي لا يملك الملائمة المالية والا الخبرة الفنية فهو مشروع غير واقعي.

هدف البحث: الهدف الاساسي للبحث يتمثل بالأطر والاليات التي يمكن اعتمادها لتفعيل نموذج اشتراكية السوق في الاقتصاد العراقي لتكون عملية الخصخصة ذات جدوى اقتصادية .

 

المبحث الاول

ضرورات الخصخصة في الاقتصاد العراقي.

يتسم الاقتصاد العراقي بسمات الاقتصادات النفطية باعتباره بلد نفطي يقرب الاحتياطي النفطي فيه من 115مليار برميل, والتي تتمثل بكونه اقتصاد احادي الجانب يكون فيه النشاط النفطي هو العامل الرئيس في تنشيط الاقتصاد , وهو مصدر النمو الاقتصادي .وعليه ارتبطت برامج التنمية والانفاق الاستثماري بعوائد النفط الخام التي تشجع على مصادرة القرار الاقتصادي على حساب القرار السياسي فالسياسات الاقتصادية المركزية جعلت النشاط الاقتصادي مرهونا بالفعاليات الحكومية التي لم تسطع الارتقاء بمستوى النشاط الاقتصادي مع ما يمتلكه الاقتصاد من مقومات نهضة اقتصادية .  وعليه فان ضرورات الخصخصة في الاقتصاد العراقي تكمن بالاتي

اولا : ارتباط معدلات النمو الاقتصادي بأسعار النفط الخام.

يعاني الاقتصاد العراقي من ارتباط  معدلات نموه الاقتصادي بأسعار النفط  في مراحل مختلفة من عمر الاقتصاد العراقي . لقد حقق الناتج المحلي الأجمالي معدلات نمو سنوية متباينة خلال المدة (2004-2021) ومتناسبة مع تباين أسعار النفط العالمية التي مارست تأثيراً مباشراً على القطاع النفطي مقابل انخفاض نسبة تأثيرها على القطاع غير النفطي ، غير ان عند مقارنة معدلات النمو السنوي للناتج المحلي الأجمالي مع الاسعار الأسمية للنفط الخام في الأسواق العالمية الواردة في الجدول (1) نجد ان هذه العلاقة طردية بين المتغيرين أي ان معدلات النمو السالبة في المعدل العام لأسعار النفط يقابلها حتماً إنخفاض في مقدار الناتج المحلي الاجمالي للسنة نفسها أو السنة التي سبقتها ، ومع أن هذه العلاقة قد تكون بديهية في إقتصادات الدول الريعية ، إلا ان حجم  تلك العلاقة يختلف من دولة لأخرى تبعاً لحجم مساهمة القطاعات الأقتصادية غير النفطية والى حجم الأنتاج النفطي. وكما يبين ذلك الجدول ادناه والشكل (1) .

الجدول (1)

اسعار النفط والناتج المحلي الاجمالي بالأسعار الجارية في العراق للمدة  (2004-2021)

السنوات الناتج المحلي الاجمالي

مليون دينار(1)

نسبة التغير % اسعار النفط الخام (2) نسبة التغير
2004 53,235,359 36
2005 73,533,599 27.4 50.6 28.8
2006 95,587,955 23.0 61 17.0
2007 111,455,813 14.2 69.1 11.7
2008 157,026,062 29.0 94.4 26.8
2009 130,643,200 20.1- 61 54.7-
2010 162,064,566 19.3 77.4 21.1
2011 217,327,107 25.4 107.5 28
2012 254,225,491 14.5 109.5 1.8
2013 273,587,529 7.0 105.9 3.3-
2014 266,332,655 2.7- 96.3 9.9-
2015 194,680,972 36.7- 49.5 94.5-
2016 186,542,703 4.3- 40.8 21.3-
2017 207,621,134 10.1 52.4 22.1
2018 249,574,276 16.8 69.8 24.9
2019 254,443,953 1.9 64 9.0-
2020 215,661,517 17.9- 41.5 54.2-
2021 301,439,534 28.4 69.9 40.6

المصدر:- العمود (1) بالاعتماد على :

  • البنك المركزي العراقي , الموقع الاحصائي , بيانات الناتج المحلي الاجمالي

العمود (2) بالاعتماد على :-

  • تقرير الامين العام ، الثامن والاربعون، منظمة الاقطار العربية المصدرة للبترول اوابك،2022، 57.

 

يلاحظ من الجدول اعلاه بلوغ معدل نمو الناتج المحلي  (27.4%) في العام 2005 نتيجة الارتفاع الذي حصل في اسعار النفط الخام لهذا العام . واستمر الناتج المحلي الاجمالي يحقق معدلات نمو سنوية موجبة قبل ان يتراجع هذا النمو الموجب الى نمو سالب حيث حقق الناتج المحلي الاجمالي معدل نمو سالب بلغ (20.1-%) في العام 2009 بسبب الانهيار الذي منيت به اسعار النفط الخام بسبب الازمة المالية العالمية . ثم عاود الناتج المحلي الاجمالي الى الارتفاع وحقق معدلات نمو موجبة طيلة المدة (2010-2013).

وخلال المدة ( 2014- 2016) انخفض الناتج وحقق معدلات نمو سنوية سالبة بلغت على التوالي 2.7-% , 36.7-% , 4.3-% وهذا التراجع في قيمة الناتج المحلي الاجمالي يعود للانخفاض الذي شهدته اسعار النفط للسنوات المذكورة , اذ تراجعت اسعار النفط الخام  105.9دولار للبرميل واستمرت بالتراجع حتى وصلت 40 دولار للعام 2016 . وفي العام 2017 ارتفعت اسعار النفط الخام وتجاوزت عتبة 50 دولار للبرميل الامر الذي انعكس على حجم الناتج المحلي الاجمالي ليصل الى (301,439,534) مليون دينار باستثناء العام 2020, حيث بلغت قيمته (215,661,517) مليون دينار وحقق معدل نمو سنوي سالب بلغ ( 17-%). بسبب الازمة المزدوجة ازمة كورونا وانخفاض اسعار النفط .

 

شكل (1 . العلاقة بين معدلات نمو GDP ومعدلات نمو اسعار النفط في العراق للمدة 2004- 2021

المصدر : عمل الباحث بالاعتماد على بيانات الجدول (1)

 

ثانيا : اختلال الهيكل القطاعي للناتج المحلي الاجمالي

يضاف إلى ما يعانيه الناتج المحلي الإجمالي من ارتباط معدلات نموه بالانخفاض او الارتفاع الذي يحصل في اسعار النفط في الاسواق الدولية من اختلال كبير في نسب مكوناته إي في مساهمة القطاعات الاقتصادية في تكوينها للناتج المحلي الإجمالي .

فما زال القطاع النفطي هو المسيطر بشكل واضح وكبير حيث يحظى بالمساهمة الأكبر في تكوين الناتج المحلي الإجمالي بما يقرب من (59%) كمتوسط للمدة (2004-2020) كما يتضح ذلك في الجول (2) ادناه.

فيما تتضاءل مساهمة باقي القطاعات ،فقد واصل قطاع الزراعة والصناعة التحويلية انخفاض مساهمتهما ليصلا إلى (4% و،1%) كمتوسط للمدة المدروسة . وهذا مؤشر على الاثر المتفاقم للاختلال الهيكلي في الاقتصاد وتسيد القطاع الاحادي الجانب في الاقتصاد العراقي وهذا ما يجعله عرضه للتأثيرات الخارجية والسوق الدولية مما يعرض الاقتصاد العراقي للخطر وعدم الاستقرار بشكل مستمر.

 

 

جدول ( 2)

اسهام القطاعات الاقتصادية في الناتج ( 2003- 2020)%

السنة الزراعة

 

الصناعة

 

التعدين

 

الخدمات

 

2003 8.32 1.02 68.78 21.88
2004 7.43 1.76 57.96 32.85
2005 6.61 1.32 57.83 34.24
2006 5.82 1.54 55.47 37.17
2007 4.92 1.63 53.18 40.27
2008 3.84 1.68 55.73 38.75
2009 5.22 2.61 43.29 48.88
2010 5.01 2.22 44.02 48.75
2011 4.43 2.14 51.86 41.57
2012 4.13 1.78 64.22 29.87
2013 4.02 1.35 66.37 28.26
2014 4.9 1.91 51.7 41.49
2015 4.71 2.11 59.9 33.28
2016 3.9 2.21 66.04 27.85
2017 1.87 2.14 71.03 24.96
2018 2.78 2.01 71.72 23.49
2019 3.7 2.06 69.24 25.0
2020 5.82 2.98 58.8 32.4
المتوسط 4.8 1.9 59.2 33.9

المصدر : اعداد الباحث بالاعتماد على المصادر التالية

  • وزارة التخطيط , الجهاز المركزي للإحصاء , المجموعة الاحصائية السنوية
  • البنك المركزي العراقي , التقارير الاقتصادية السنوية
  • البنك المركزي العراقي , النشرة الاحصائية السنوية

 

إن مظاهر تقدم الاقتصاد واستقرار أوضاعه هو في تعدد النشاطات الاقتصادية وتزايد مساهمة اغلب قطاعاته في تكوين الناتج المحلي ،لذا فان انخفاض مساهمة قطاع مثل الزراعة يعني تعرض الأمن الغذائي للخطر وتأثير واضح على الميزان التجاري بزيادة الاستيرادات من المواد الغذائية.

وفيما يخص العراق فهو يملك الإمكانات الزراعية من ارض خصبة ومياه وأيدي عاملة، إذن فهو يعاني من سوء السياسات المتبعة في أدارة هذا القطاع والتي يتطلب معالجتها بأساليب جديدة وحرية اقتصادية اكبر.

وحتى القطاع الصناعي الذي يعد رمز للدولة المتقدمة فان انخفاض مساهمته بهذا الشكل مخيف جدا، حيث يعني ذلك انهيار القاعدة الصناعية وعدم قدرتها على التنافس المستقبلي مع الشركات الصناعية في ظل انفتاح السوق وتجارة حرة بين الدول.

ومن الاختلالات الهيكلية الأخرى هي هيمنة القطاع النفطي على عوائد الصادرات وكذلك إيرادات الدولة، حيث تصل مساهمته إلى (99%) من عوائد الصادرات و(95%) من إيرادات الدولة العامة، إذن فهو المصدر الوحيد للثروة.  فبدون الصادرات النفطية سيحصل عجز كبير في الميزان التجاري

وكذلك هو حال إيرادات الدولة المعتمدة تماماً على العوائد النفطية مما يجعل الموازنة العامة معتمدة على تلك الإيرادات وليس لها القدرة لاستحداث عوائد إضافية حقيقية من خارج القطاع النفطي قادرة على التعويض عن الانخفاضات التي قد تحصل بالعوائد النفطية نتيجة انخفاض أسعار النفط العالمية ،وهذا ما حصل عند إعداد موازنة الدولة لسنة 2009.والاعوام 2014 و2015 وما تعانيه الموازنة الان.

إن وجود مورد النفط كمصدر رئيس لتمويل الموازنة العامة للدولة قد أدى تاريخيا إلى اضمحلال دور الموارد المالية الأخرى المتمثلة بالضرائب والرسوم وهذا ليس بسبب ضعف الأوعية الضريبية ولكن لعدم كفاءة الأجهزة المكلفة بتقدير وجباية هذه الضرائب بسبب انتشار الرشوة والفساد الإداري بشكل واسع ومعترف به حتى من قبل الدولة.

كما إن شركات القطاع العام لا تحقق ارباح حقيقية فهي تعتمد على دعم الدولة ومساعدتها وإعفائها  من الضرائب لسنوات عدة كما أنها غير قادرة على التصدير لعدم كفاءة سلعها وارتفاع تكاليف إنتاجها، وهي في الحقيقة عبء على الدولة أكثر مما هي مصدر عوائد لها.

تعاني السياسة المالية (حتى وان تحققت العوائد) من تزايد النفقات على الإيرادات المتحققة ،فموازنة الدولة لأغلب سنوات المدة المذكورة كانت تعاني من العجز ، أما ما حصل من فائض في الموازنة منذ عام 2003 فلم يكن لكفاية الإيرادات للأنفاق المتوقع بل لعدم صرف التخصيصات في مواضعها الدوائر والوزارات لسوء الإدارة والتنفيذ والظروف الأمنية التي منعت صرف تلك التخصيصات قبل مواضعها المخصصة لها، كما إن تزايد إيرادات النفط بشكل غير متوقع جعل من الإيرادات تفوق الأنفاق المتوقع.

والجدير بالذكر إن جميع الموازنات المخططة للأعوام 2005 و 2006 و2007 أعدت بعجز إلا إن الأسباب السابقة جعلتها تحقق فائضاً وليس عجزاً. وقد عادت الموازنة للمعاناة من العجز بعد انخفاض أسعار النفط في العام 2015. وحتى اعداد موازنة 2023.

المبحث الثاني

دور الدولة ومشروع الخصخصة

في ضوء العرض المفصل في المبحث الاول تبدو الصورة واضحة من حيث ضرورة توفر رؤية استراتيجية لإعادة هيكلة الاقتصاد العراقي بضرورة اشراك القطاع الخاص . وهنا يبرز دور الدولة (الحكومة ) كلاعب اساسي بيدها كامل العوائد النفطية ولديها الاجهزة والوزارات وهيأت ومؤسسات معنية بالتنمية يمكن من خلالها رسم استراتيجية للخصخصة حسب درجة التطور والتأهيل لدور القطاع الخاص .

المطلب الاول

الخصخصة وأسلوب أدارتها المناسب في العراق

يعد الاخذ بقوى السوق من المبادئ الرئيسة في البيئة الاقتصادية الجديدة مما يتطلب اعادة صياغة دور الدولة من خلال التخلي التدريجي عن سياسة الدعم الشامل الى سياسة الدعم الهادف بما يؤدي الى حماية طبقات المجتمع الضعيفة مع اعطاء القطاع الخاص الدور المناسب في مشاركة الدولة في النشاط الاقتصادي , ففي هذه المرحلة يجب ان يكون للدولة دورا فعالا , اذ ليس من المصلحة ان تتخلى الدولة عن دعم طبقات المجتمع الفقيرة . ومن هنا فان النموذج العملي الملائم للاقتصاد العراقي هو نموذج اشتراكية السوق الذي يشير الى الموازنة بين ملكية راس المال العام ونظيره الخاص , حيث لا يسمح الوضع الراهن بتحرير الاسعار بشكلها المطلق او خصخصة خدمات القطاعات الضرورية مثل الكهرباء من دون شروط تخدم الصالح العام , اذ لا يسمح مستوى الدخول الفردية لمعظم افراد المجتمع العراقي بهذا التحول المفاجئ , ولكن من الممكن ان يكون هناك تحرير تدريجي وانسحاب غير مفاجئ لدور الدولة في تسعير السلع والخدمات من خلال الشروط التي سوف تبرمها الدولة مع القطاع الخاص المستثمر في اي قطاع وبما يبقي الدور الاشرافي للدولة قائما في القطاعات المخصصة اذ من الصعب جدا التخلي عن دور الدولة ([1]). اما بيع منشآت القطاع العام دفعة واحدة الى قطاع خاص لا يملك الملائمة المالية ولا الخبرة الفنية ولا حصافة الانتظار لمدة من الزمن لأسترداد عوائد استثماراته فهو مشروع غير واقعي , فموضوع الادارة والحوافز والتنظيم وتوسيع المشاركة قد تكون من ضمن الحلول الموضوعية لمعالجة مشاكل تنمية وازدهار مشاريع التنمية في القطاع العام وخصوصا في قطاع الصناعة التحويلية وقطاع الماء والكهرباء والغاز فالمطلوب هو رفع الانتاجية في شركات القطاع العام والقطاع الخاص الذي تشير الكثير من الوقائع العملية الى انه غير قادر على الولوج في مشاريع التمويل الانمائي اضف الى ذلك انه يمتنع عادة عن المخاطرة برؤوس امواله في صناعات كبيرة ومتقدمة تقنيا , ولا يشارك في صناعات تستغرق فيه اعاده رأسماله وجني عوائده مدة اطول وحتى لو اقدم هذا القطاع على شراء موجودات الصناعات الكبيرة المعروفة في القطاع العام , فانه يميل الى الاستفادة من الموجودات وتحويرها لصناعات سريعة العائد([2]) . ان مبدأ الشراكة والتكامل بين القطاع العام والخاص يعد مهما وضروريا في اعادة صياغة دور الدولة حيث يجب ان تكون هذه الشراكة حسب درجة التطور والتأهيل لدور القطاع الخاص كي تكون عملية الخصخصة ذات جدوى اقتصادية خاصة في القطاعات التي ساهمت التطورات التقنية في خلق  فرص استثمارية  تنافسية جديدة فيها للقطاع الخاص ومثال ذلك قطاع الاتصالات الذي تطور خلال فترة قصيرة قياسا بالمشاريع الحكومية الموعودة , وعلى اساس ذلك يمكن القول ان من اهم القطاعات التي يمكن اسنادها للقطاع الخاص هي قطاعات الخدمات اذ انها مؤهلة لعملية الخصخصة بشرط ان تكون هنالك تعديلات اساسية في الاسعار بما يحقق مصلحة المستهلكين والقطاع الخاص وفي المقابل تتخلص الدولة من نفقات مالية كبيرة لقطاعات الخدمات والمشاكل التي يعاني منها . وفي ما يخص اسناد بعض الصناعات غير الاستراتيجية الى القطاع الخاص المحلي مثل الغزل والنسيج والصناعات الغذائية والتي تتمتع بميزة تنافسية فمن المتوقع مواجهة هذه الصناعات للسلع المستوردة الاجنبية . اما في المجال الزراعي فمن الممكن ان يحظو الاقتصاد العراقي فيها خطوات اكبر من خلال دعم القطاع الخاص المحلي  في هذا المجال عن طريق اللجوء الى عمليات الاقراض الزراعي وتوفير المعدات ولألات الزراعية والبذور المحسنة بأسعار مدعومة  مع توفير منافذ تسويقية لهذه المحاصيل عن طريق الدولة وخصوصا المحاصيل الداخلة في المجال الصناعي مثل قصب السكر والقطن والذرة بأنواعها  والانتاج الحيواني حيث يخلق دعم هذه المحاصيل حالة من الجذب الخلفي والامامي ما بين القطاعين الزراعي والصناعي([3])

 

 

المطلب الثاني

طرح إلية الخصخصة كأداة لمعالجة الاقتصاد العراقي

لا تتوفر في العراق أسواق مالية ومصرفية متطورة وقادرة على خلق الائتمان المطلوب، كما إن الادخارات المحلية ضعيفة  لضعف الدخول وارتفاع معدلات البطالة وهروب رؤوس الأموال للخارج وعدم استقرار الوضع الأمني كلها عوامل معرقلة لاتخاذ قرار بهذا الخصوص يتطلب أرضية سليمة وقواعد قانونية وبنى تحتية يستند إليها.

 ولكي يخطو العراق تلك الخطوة نحو الخصخصة ولتفعيل اقتصاده وتحقيق الغايات التي وضع من اجلها قرار الخصخصة ، ،لا بد له  من دراسة جميع جوانب القرار والاطلاع على أهم التجارب بهذا الخصوص للاستفادة منها في تجاوز الأخطاء واستخدام الجوانب الايجابية فيها، والعراق غير ملزم بتطبيق صيغة واحدة فتجارب العالم غنية  في هذا المضمار . ولإغناء طريق الخصخصة سوف نستعرض باختصار مراحل بعض التجارب في هذا المضمار.

  1. التجربة البولندية:-

بدأت بولندا بمنهج علاج الصدمة لخفض مستويات التضخم الجامح وبالرغم من نجاحها في هذا المضمار حيث انخفض التضخم من 1096% عند البدء بالخصخصة  عام 1990 إلى 640%عام ([4])1993 ، ألا أنها أدركت سريعا إن ذلك مفيد اقتصادياً ولكنه غير مناسب لتغيير المجتمع ،لذا انتهجت الأسلوب المتدرج كاستراتيجية بديلة ،حيث نفذت برامج الخصخصة بخطى بطيئة، وكانت في الوقت نفسه تعمل على بناء المؤسسات الأساسية لاقتصاد السوق مثل المصارف لتفعيل الاقتراض ،إلى جانب ذلك قامت ببناء نظام قانوني فعال لعمل اقتصاد السوق ،وبذلك وخلافا ًلوصايا الصندوق ،فقد ركزت على البعد الاجتماعي جنباً إلى جنب مع البعد الاقتصادي، إذ اهتمت بالدعم الحكومي للإصلاحات في محاولة لإبقاء البطالة عند مستوى متدني وتقديم الرعاية للعاطلين وتكييف الرواتب التقاعدية نسبة إلى التضخم ،وإنشاء البنية التحتية اللازمة لعمل اقتصاد السوق([5])

وبذلك تركت بولندا علاج الصدمة الذي خلق ارتفاع وحده في نسب البطالة والفقر واثأر اجتماعية أخرى تمثلت بإلغاء الدعم والضمان الاجتماعي الموجه للسكان ،فضلا عن  التنافس غير الكفوء أو المتكافئ بين الاستثمار الخارجي والقطاع الخاص المحلي، وبذلك تبدو الخصخصة بوجه قبيح عكس ما يراد منها في تحسين وجه وقدرات الاقتصاد .                                   

  1. التجربة الصينية

تعد التجربة الصينية في هذا المجال من التجارب الناجحة والتي قدمت انموذجاً يشار له بالبنان والتقدير، لقد حصدت الصين من أنموذج الخصخصة الذي اتبعته مؤشرات اقتصادية متقدمة ، ووفقا لتقارير البنك الدولي، إن الناتج المحلي الإجمالي كان ينمو بمعدل (10%) خلال الفترة (1977-1998) فيما سجلت الصادرات نمو نسبته (16%) والتجارة الخارجية حققت فائضاً (40) مليار دولار وتـــــــــــــــراكم الصرف الأجنبي يقدر بـ (150) مليار دولار للفتـــرة نفسها([6])

فيما تزايد معدل التضخم من (3.6%) عام 1991 إلى (24.3%) عام 1994 ثم عاد للانخفاض ليصل إلى (2.8%) عام 1997 ([7])

إن ما تحقق من نتائج ايجابية يعزى إلى الدراسة المستقبلية للاقتصاد الصيني والقيام بالخصخصة والتحول وفق المنهج التدريجي الأكثر ايجابية وتوافق مع الاقتصاد الصيني ويمكن أيجاز المنهج المتبع على النحو الآتي([8]) :

  1. تم اعتماد آليات لزيادة دور القطاع الخاص المحلي والأجنبي في النشاط الاقتصادي مع تحديد التوجهات القطاعية وعلى مراحل بدءاً من الزراعة في الريف ثم الصناعة، فالبحث العلمي وأخيرا الدفاع
  2. اختيار طريقة المشاركة مع القطاع العام ولاسيما في المجالات التي تقدم مستوىً تكنولوجياً متقدماً يستفيد منه الاقتصاد الصيني لتطويره وزيادة قدراته التكنولوجية ،وتكون نسب المساهمة محدده في تلك المشاريع لا تتعدى 49%.
  3. تم اختيار المشاريع الصغيرة كميدان أولي لبرنامج الخصخصة وبعد ذلك تم شمول المشاريع الكبيرة الاستراتيجية بعد التحقق من نجاحها وكذلك اختبار الخصخصة في  مناطق خاصة وهي المناطق الساحلية في الصين.
  4. إتباع نهج إصلاح القطاع العام وكذلك إتباع مجموعة سياسات أهمها منح استقلالية اكبر لعمل هذا القطاع ومن ثم تشجيعه على إعادة تنظيم نشاطاته وتغير نمط أدارته ليكون العمل وفق آلية السوق
  5. إجراء إصلاحات مساعدة مثل إقامة قطاع مصرفي حديث ومشترك مع العالم وإعطاء فرصة لمصارف عالمية لمشاركة مصارف الدولة في الصين ،وكذلك بأتباع سياسة ضريبية مشجعة للاستثمار بالرغم من النجاحات التي حققتها الاستراتيجية ،إلا إن هنالك سلبيات تقابل تلك النجاحات، منها تزايد التضخم مع تزايد النمو الاقتصادي وازدياد في معدلات البطالة وتزايد النمط الاستهلاكي في المجتمع الصيني كنوع من تقليد ثقافة الغرب بهذا الاتجاه ،وحصول فروقات في الدخل والمستوى المعيشي بين المناطق التي طبقت فيها الإصلاحات من تلك التي لم تطبق ،مع تزايد الهجرة من الريف إلى المدينة، وتفكك عطاءات الضمان الاجتماعي التي كان يتمتع فيها المواطن الصيني قبل عمليات الخصخصة وحتى التقدم التكنولوجي بداً بالانخفاض كون التكنولوجيا التي تم نقلها إلى الصين من قبل الشركات المتعددة الجنسيات قد وصلت مرحلة النضج وبدأت في مرحلة تناقص الغلة([9])
  6. التجربة البريطانية ([10]):-

وضعت إلية الخصخصة وفق مفهوم أن ملكية الدولة للمشاريع  الكبيرة وإدارتها لهذه الملكية تخضع هذه المشاريع  لفلسفة إدارة تحكمها العقلية البيروقراطية التي لا تتناسب وعقلية إدارة الأعمال التي لا يملكها ولا يمارسها ألا قطاع الأعمال الخاص ،حيث أن أدارة الأعمال بفلسفة وأسلوب القطاع الخاص يخضع إلى كتلة ديناميكية تندفع إلى التطور والنمو بقوة الدفع الذاتية القائمة على المبادرة والمخاطرة والمنافسة .

ومن هذا المفهوم قامت المملكة المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي بخصخصة شمولية للقطاعات الإنتاجية المملوكة للدولة وبقيمة أجمالية بلغت (29) مليار جنية إسترليني وفق خطة مرسومة لها خصائصها الخاصة بها وفق المنهج الاتي

  1. تتم الخصخصة عن طريق أعداد دراسات الجدوى عن طريق البنوك والمكاتب الاستشارية عن الشركات المراد خصخصتها وأعداد تقارير عن الوضع القائم والاختبارات المتاحة أمام متخذ القرار من اجل اختيار احد البدائل المتاحة، كذلك اختيار خبراء لوضع تصور التنفيذ، وعند اتخاذ القرار   إصدار تشريع مناسب لتنفيذ عملية الخصخصة.
  2. الأسلوب التدريجي للتحول ،ولقد تم ذلك بالتركيز على شركات ثم تحويلها بشكل أنموذجي ،ثم تؤخذ كمثال وأنموذج يحتذى به في باقي الشركات المحولة المشمولة بسياسة الخصخصة.
  3. استخدام الأعلام الموجه من خلال الحملات الإعلامية والإعلانية المكثفة بكافة وسائل الأعلام المرئية والصوتية والمقروءة موجهه إلى الشعب والى المستثمرين والعاملين بهدف إقناعهم بجدوى سياسة الخصخصة.
  4. تهيئة البيئة الداعمة لاستقبال مشاريع الخصخصة بالاعتماد على مجموعة من الاصلاحات في سوق الأوراق المالية والهيكل الضريبي.
  5. تهيئة مناخ تشريعي وسياسي واقتصادي في آن واحد فالخطة السياسية والاقتصادية للدولة يجب إن يدعمها مجموعة من القوانين والتشريعات الساندة.
  6. اتخذت الحكومة البريطانية إجراءات استهدفت بقاء دور الدولة قوياً للتدخل في الوقت المناسب في السوق ،ومنع سيطرة قطاع أجنبي أو محلي بهدف الاحتكار (تعمل المملكة المتحدة على تقوية دور الدولة بالرغم من أيمانها بمبادئ الليبرالية الجديدة في تحييد الدولة في النشاط الاقتصادي)وذلك يحضر تملك الفرد سواء أجنبيا أو وطنياً أكثر من (15%) من أسهم الشركة التي يتم خصخصتها ،كما تمتلك الدولة ما يسمى بالسهم الذهبي الذي يعطيها الصلاحية للتصدي لأية محاولة أو تجاوز للأضرار بمصلحة الدولة والمجتمع أو البيع والشراء بشكل غير قانوني ومضر بالمجتمع.
  7. وضعت الدولة جهازاً مستقلاً يهدف لزيادة المنافسة في السوق وضبط الأسعار وعدم انفلاتها بما يضر بمصلحة المستهلك وحمايته من الاستغلال، فضلاً عن ضمان حسن تقديم الخدمة.
  8. عملت الحكومة البريطانية على رعاية العاملين في الشركات المشمولة بالخصخصة ،حيث حولتهم من طبقة تخضع للاستغلال الطبقي إلى طبقة مالكة وعنصر فعال في أنجاح برنامج الخصخصة وقد منحتهم حوافز في هذا الأمر، كتقديم القروض لهم بدون فائدة ليتمكنوا من شراء الأسهم ومنحهم الأولية في تملكها ، وتقديم آسهم مجانية للعاملين في الشركة المراد خصخصتها ،مع وجود حد أقصى لهذه الأسهم الممنوحة ،كما منحوا تخفيض بنسبة 10% على قيمة الأسهم التي يشترونها بشرط الاحتفاظ بملكيتها لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات.
  9. ساندت الحكومة صغار المستثمرين أيضا على الاكتتاب بالأسهم ومنحهم الأولوية في تملك الأسهم عن غيرهم.

يلاحظ أن التجربة البريطانية كانت حريصة على تنشيط الاقتصاد باستخدام القدرات والإبداع الفردي واستخدام عقلية القطاع الخاص ومهارته في هذا المجال ، كما دعت بشكل كبير الجوانب الاجتماعية حفاظاً على توازن المجتمع وقدراته وتوفير الدخول المناسبة وعدم جعله يشعر بسلبية إجراءات الخصخصة وتأثيرها على مستقبله كما حافظت على قوة الدولة وسيطرتها وقدرتها على التوجيه والضبط والتأثير على الواقع الاقتصادي ومتغيراته الكلية وعلى القطاع الخاص بشكل خاص.

من تلك التجارب الثلاث وطريقة أو أسلوب سيرها نحو الخصخصة وهي دول مختلفة (أوربا الشرقية ،أسيا، أوربا الغربية) يمكن الاستفادة منها حيث فيها قواسم مشتركة  على الرغم من اختلاف الأسس والمناشىء والقواعد والأرضية الاقتصادية لكل منها كذلك اختلاف ظروفها وتكوينات مجتمعاتها.

لذا يمكن رسم معالم طريق تسير عليه تجربة الخصخصة في العراق يراعي كل الظروف والاعتبارات للمجتمع العراقي وإمكانياته الاقتصادية والبشرية والاجتماعية.

لذا عند رسم المعالم يجب الأخذ بما يأتي ([11]):-

  1. القيام بدراسة شاملة لجميع المشاريع وتقييم كفاءتها ومستوى أرباحها ونوعية الخدمة المقدمة من قبلها ،ومن ثم تصنيفها وفق معايير علمية دقيقة , ووضعها ضمن سلم أفضليات لغرض خصخصتها من عدمه ،أو تحديد طريقة خصخصتها سواء البيع المباشر أو التأجير او عقد إدارة أو بيعها كأسهم أو مشاركة الدولة أو غيرها من الأساليب، وتقوم بكل تلك الدراسات جهة اقتصادية نزيهة ذات خبرة ودراية عالية في هذا المجال.
  2. تحديد أو معرفة حجم مساس عمل تلك الشركة أو المنشأة المراد خصخصتها بالمجتمع ومدى تأثير خدماتها عليه، وهل للقطاع الخاص المحلي القدرة على أداء تلك الخدمة بما يحقق تقديمها بدون تقصير مؤثر على أبناء المجتمع ،أم إن الدولة قد تشترك مع القطاع الخاص فيها حتى تصل الخدمة بشكل جيد ومتطور.
  3. عند تقييم منشأة لا ينظر لمعيار الخسارة والربح الذي تحققه المنشاة فقط بل ينظر إلى حجمها هل يليق أو من المناسب ان تستمر الدولة بإدارته وامتلاكه أم إن القطاع الخاص قادر على إدارته وبشكل سليم بدل من بقائه بذمة الدولة ويشغلها عن صناعات أو قطاعات أهم.
  4. النظر بطريقة خاصة للمشاريع الاستراتيجية ولاسيما التي تعد ثروة وطنية للمجتمع وفيها حق لجميع أبنائه، فلا بد من بقائها تحت إشراف الدولة وان تم الاشتراك فيها فليكن بنسب محدده تبقي للدولة قوة القرار والسيادة بما يحافظ على الثروة والاستقلال معاً للتصدي لأية محاولة إضرار بالمجتمع والأمن والدولة .وهذا الإجراء متبع كما لاحظنا في التجارب التي تم عرضها سابقاً.
  5. وضع أطار قانوني تشريعي متكامل لعملية الخصخصة توضح فيه جميع إجراءات نقل الملكية أو المساهمة أو إي أسلوب أخر للخصخصة تتضح فيه الحقوق والواجبات لكل الأطراف، وتعطي سلطة رقابية وتوجيهية للدولة فيه ،بشرط عدم تدخل الدولة بالقرارات الإنتاجية والتسعير الذي يتم وفق إليه العرض والطلب إي عدم تشويه الأسعار ،كذلك التوسع بالاستثمار وطرائق التصدير والاستيراد ،ويقتصر دور الدولة على حماية الملكية والمجتمع من المخاطر التي قد يمارسها أصحاب تلك الشركات والتصرفات غير القانونية المضرة بالمجتمع والمستهلك كالاحتكارات والاستغلال لحاجة الناس وعوزهم.
  6. قيام الدولة بتحسين أداء القطاع العام ووضعه بيد إدارة كفوءة وجعله قادراً على تخصيص الموارد بشكل امثل وتركه للمنافسة المشروعة مع القطاع الخاص بشرط عدم دعمه والتدخل في عملية التسعير أو جعله محتكراً لسلعة ما، وجعله يخضع لقوانين السوق ولحسن أداءه ليكون الفيصل بينه وبين القطاع الخاص.
  7. تهيئة الدولة لنظام مصرفي وسوق أوراق مالية متطور قادر على خلق الائتمان وتلعب السياسة المالية دورها فيها بشكل يجعلها أكثر نشاطاً وقدره على وضع الائتمان بيد المستثمرين والقطاع الخاص لإنجاح عملية الخصخصة ،وفي هذا المجال حصلت خطوات كبيرة لتحرير سياسة البنك المركزي العراقي وقيام قانون جديد للمصارف وتحرير أسعار الفائدة ودخول مصارف أجنبية جديدة للعراق وفتح مصارف تجارية حكومية وأهلية تعمل بحرية ووفق إلية السوق ومبادئ الحرية الاقتصادية.
  8. الاستفادة من فترة التفاوض مع منظمة التجارة الدولية والمدة التي تعطيها المنظمة بعد قبول العضوية لتنشيط الصناعات المحلية وحمايتها قدر الإمكان من اجل نهوضها وزيادة قدرتها التنافسية مما يجعل القطاع الخاص قادراً على الاستثمار فيها بدون تخوف من عدم قدرته على منافسة الاستيرادات المنافسة له بعد الدخول في منظمة التجارة العالمية، وحتى بعد الدخول للمنظمة ستبقى هنالك تعريفات كمركية معينة لحماية بعض الصناعات ذات الميزة النسبية ،لذا أصبح لزاماً تطوير تلك الصناعات خلال تلك المدة ووضع التعريفات الكمركية المناسبة بعد التفاوض مع المنظمة لحماية لتلك الصناعات.
  9. يمكن اختيار مشاريع معينة في قطاعات محددة أو اختيار مناطق بعينها وجعلها مختبراً لتجربة الخصخصة ومن ثم التوسع بعد النجاح أو لمعرفة الأخطاء وتلافيها مستقبلاً أو الإقرار بعدم جدوى الخصخصة في مشروع أو قطاع معين ،أن هذا الأسلوب مجرب وفق التجربة الصينية واثبت نجاحه.
  10. عملية الخصخصة نفسها لا بد أن تكون شفافة من حيث تقييم أصولها بشكل دقيق ومراقب بشكل محلي من جهات مختصة كديوان الرقابة المالية والمفتش العام في الوزارات وهيئة النزاهة وجهات مختصة أخرى ،حتى لا تفقد عملية الخصخصة احد أهدافها بتحقيق عوائد مالية مجزية من المنشأة التي يتم خصخصتها ،كما يتطلب الأمر أن تكون علنية وبدون تمييز وبعيدة عن الفساد الإداري والمالي حتى تعبر عن نزاهة الإجراءات وتساوي الجميع بدون استثناء.
  11. تفتقد السوق العراقية والاقتصاد العراقي إلى البنى التحتية اللازمة من طاقة وطرق نقل وجسور وشبكات تصريف المياه ومعلومات تقنية كافية عن السوق المحلي والعالمي ،مما يتطلب توفيرها قبل الشروع بالخصخصة ،حيث أن القطاع الخاص المحلي غير قادر على الولوج في تلك القطاعات كما انه بدون توفر البنى التحتية لن تتحقق وفورات خارجية تعطيه الفرصة للتنافس من خلال تخفيض كلف أنتاجه عن طريق ما توفره تلك البنى، وحتى المستثمر الخارجي يحتاج تلك البنى كونها البيئة المطلوبة للاستثمار والتي تعمل على تقليل تكاليفه وزيادة قدرته على التنافس والتصدير وبالتالي أرباحه.
  12. على الدولة مراعاة جانب الآثار الاجتماعية للخصخصة على المجتمع ولاسيما  جانب البطالة التي تحصل للعمال الذي سيتم خصخصة شركاتهم، لذا يتطلب منها وضع تشريعات تضمن حقوقهم ووفق أسلوب تنظيمي عادل أو العمل على إشراكهم في المشاريع التي يتم خصخصتها كما هو معمول في التجربة البولندية والصينية والبريطانية، أو العمل على   تدريبهم ورفع كفاءتهم بما يحقق لهم فرص عمل أخرى أو فتح استثمارات جديدة لاستيعابهم .والعمل على توفير شبكة حماية اجتماعية متوازنة ومدروسة تحمي تلك الفئات من الفقر وتوفر لهم ديمومة الحياة والاستقرار.

 

 

الاستنتاجات

  1. اعتماد الاقتصاد العراقي بشكل كامل على مورد واحد هو النفط جعل جميع المؤشرات الاقتصادية تعتمد في درجة تطورها على قطاع النفط والعوائد المتحققة منه ،وبما إن هذا المصدر لم يستغل بشكل سليم ،فأن ذلك انعكس سلباً على أداء جميع المؤشرات والقطاعات الاقتصادية في البلد وبذلك هيمنة الريعية على الاقتصاد العراقي وتعد هذه الصفة من ابرز الاختلالات الهيكلية فيه اذ يسطر النفط على هيكل التجارة الخارجية وساهم بأكثر من نصف الناتج المحلي الاجمالي واصبح المصدر الرئيس لتمويل الموازنة العامة للدولة وأي تغير يطرأ عليه سينتقل صداه وتأثيره على كل أجزاء جسد الاقتصاد العراقي.
  2. ان انخفاض مساهمة القطاعين الصناعي والزراعي في تكوين الناتج المحلي الاجمالي طيلة مدة البحث يعد مؤشر سلبي كبير يوضح تراجع قدرات العراق وامكانياته الصناعية والزراعية بالرغم من الشعارات التي اطلقت والتي تدعو لدعم الصناعة والزراعة واعطائهما الاهمية الاكبر في خطط التنمية
  3. أن عملية اختيار مسار التحول وتوقيتات التحول والياته تعتمد بالدرجة الأساس على درجة تطور الاقتصاد وفاعليته وتوفر البنى الأساسية لقيام التحول. حيث لا توجد وصفة واحدة لعملية التحول ولا مسار واحد لها، فيما يصح في اقتصاد لبلد معين قد لا يصح لغيره، وقد أثبتت تجارب التحول في بريطانيا وبولندا والصين وغيرها هذا التوجه.
  4. يتبين من استعراض بعض تجارب البلدان في مجال الخصخصة بان نجاح هذه البرامج في تحقيق اهدافها ارتبط بجملة من العوامل لعل اهمها هو كون العملية جزء من برنامج الاصلاح الاقتصادي , واسلوب تنفيذ هذه البرامج , والارادة السياسية للحكومة , وامكانية تهيئة المستلزمات والبيئة المناسبة لإنجاح العملية مثل السوق الحرة وشروط المنافسة والأطر القانونية المناسبة والمؤسسات الداعمة للعملية والجهة المخططة والمتابعة للبرامج ومراعاة سرعة وتوقيت اتخاذ القرارات وتوفير شروط النزاهة والشفافية والرقابة والمساءلة في تطبيق البرامج . ومن جهة اخرى فان فشل هذه التجارب هو الاخر ارتبط بعدم توفر العوامل المذكور اعلاه.

 

التوصيات

فيما يخص التحولات في طريقة أدارة الخصخصة في الاقتصاد العراقي يتطلب الأخذ بالاعتبار  ما يأتي:

  1. الأخذ بالمسار التدريجي في التحول واتضاح هذا التحول شيئاً فشيئاً لتجنب الأخطاء وارتفاع التكلفة الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية.
  2. من الضروري وضع برنامج للخصخصة يشتمل على الخطوات المطلوبة ومراحل التنفيذ والتغيرات في الية السوق وحركة الاسعار وفي القواعد والقوانين التي يعمل في ظلها القطاع العام
  3. ينبغي على الحكومة خلق بيئة اقتصادية مؤاتيه ومحابية للملكية الخاصة لإنجاح برامج الخصخصة وذلك عن طريق برنامج لتوفير المعلومات وتطوير فريق متخصص لإدارة الشركات والعمل على تهيئتها للخصخصة واستعداد الحكومة لتلعب دور المقدم للتسهيلات بدلا من تجهيز السلع فضلا عن تشجيع الافراد على طلب الخدمات من القطاع الخاص.
  4. يتعين القيام بأجراء تقييم واقعي لأصول الشركات العامة وذلك قبل البدء الخصخصة او البيع.
  5. اعتماد اسلوب التأجير والادارة حيث تبقي الدولة على حصتها واصولها بقدر الامكان في المؤسسات العامة والتخلص من الادارة المتلكئة .
  6. استخدام النفط العراقي في الوقت الحاضر استخداماً امثلاً وعدم تكرار عمليات الهدر والضياع الذي تعرض لها هذا المورد سابقاً بل استخدامه لينهض بالقطاعات الأخرى ويجعلها مصدر عوائد للعراق وعدم الاكتفاء به كمصدر وحيد للثروة.
  7. التأني بإجراءات الخصخصة وأعداد دراسات مستفيضة في هذا الجانب وتحليل كل الآثار الممكن حدوثها عند اتخاذ هذا الأجراء ،مع دراسة تجارب الدول المتحولة في هذا المضمار ولاسيما التجربة الصينية الغنية بالعبر والدروس وكذلك البريطانية في منع الشركات الخاصة من الانحراف.
  8. البدء بالاستثمار الأجنبي المباشر وفق مبدأ الشراكة فهو معزز لزيادة التجربة والخبرة ونقل التكنولوجيا المطلوبة ويعطي قدره للدولة على اتخاذ القرارات المناسبة وتعديل مسار عمل الشركات أن كان فيه انحراف عن الأهداف المراد تحقيقها.
  9. تكوين شبكة حماية اجتماعية متوازنة وقادرة على حماية المجتمع من التكلفة الاجتماعية الناتجة عن برامج التحول التي يتم تطبيقها في العراق، فما زالت الدولة بموجب الدستور مسؤولة ولها الدور الأبوي لحماية المجتمع، فضلا عن كونها تدير ثروات طبيعية هي ملك المواطنين جميعاً وفق بنود ومواد نص عليها الدستور.
  10. تشكيل لجنة أدارة الأزمة لتشخيص ومعالجة كل المشكلات التي تنتج عن الخصخصة تتشكل من الشخصيات العلمية المتخصصة في الجوانب الاقتصادية والقانونية والمالية والفنية للاستفادة من خبراتهم العملية وقدراتهم العلمية لحل مشكلات التحول.
  11. ان موضوعة الحوافز والتنظيم وتوسيع المشاركة قد تكون من الحلول الموضوعية لمعالجة مشاكل تنمية وازدهار القطاع العام وعليه يجب ان تقوم الحكومة بتعيين هيأت من الخبراء لدراسة اسباب ومعوقات العمل في شركات القطاع العام الخاسرة لتشخيص الاسباب ومعالجتها بشكل عملي وفعال فهي تفتقد الى الاداريين الاكفاء او الى القدرة على منافسة المنتوجات المستوردة او تعاني من سوء ادارة العمليات الانتاجية او بسبب احباط العاملين في خطوط الانتاج في هذه الشركات مما يعالج بطرح حلول لأشراك هؤلاء العاملين في ملكية الشركات التي يعملون بها عن طريق تخصيص نسبة من الاسهم لهم حسب مواقعهم الفنية ومسؤولياتهم الانتاجية مما يشعرهم بانهم يعملون من اجل نجاح شركات يملكونها.

 

المصادر

  1. سمير عبود واخرون, الخصخصة وتحديد رؤى لإصلاح الاقتصاد العراقي, مجلة كلية بغداد للعلوم الاقتصادية , العدد (26) . 2011,ص 17 و مابعدها
  2. محمد سعيد عميره , اقتصاد دولة الامارات العربية المتحدة الانجازات المتحققة والتطلعات المستقبلية , مجلة التعاون الاقتصادي بين الدول الاسلامية , مجلد (23) , الامارات العربية المتحدة . 2002ص14
  3. جليله عبد اللطيف الجابري، امكانات تفعيل الاستثمار الاجنبي المباشر في البلدان النامية مع اشارة خاصة للعراق، اطروحة دكتوراه كلية الادارة والاقتصاد، الجامعة المستنصرية، ،نيسان2005, ص178
  4. احمد عبد الله سلمان , الضرورةة والركائز الأساسية للأنتقال من الأسلوب المخطط إلى الأسلوب التلقائي للنمو العراق حالة دراسية , اطروحة دكتوراه , كلية الادارة والاقتصاد , جامعة بغداد , 2009, ص70
  5. Samuelson and Nordhause, Macroeconomics , Mc                                                                      Graw.Hill,USA,2001.p258
  6. IMF , World Economic out look . October , 1998 .p1856
  7. هناء عبد الغفار السامرائي، إمكانات الإفادة من تجارب الانتقال الى اقتصاد السوق(رسم معالم النموذج العراقي)،المجلة العراقية للعلوم الاقتصادية ،السنة الثالثة، العدد الثامن الخاص ،كلية الإدارة والاقتصاد، الجامعة المستنصرية،2005.ص64
  8. صندوق النقد الدولي، أفاق الاقتصاد العالمي،1999،جداول عن أداء التضخم للدول المتحولة للمدة 1989-1999.نيويورك2000 .
  9. جوزيف ستكتلز” العولمة وسماؤها” ترجمة فالح عبد القادر حلمي ،بيت الحكمة،ط1،بغداد،2003.ص205.
  10. كامل العضاض, اعادة هيكلة الاقتصاد العراقي دور الدولة ومشاريع الخصخصة المطروحة, ورقة مقدمة للحلقات الدراسية للجنة تنسيق التيار الديمقراطي العراقي, المملكة المتحدة , لندن , 2015, ص28.
  11. احمد عبد الصاحب الشبيبي , سياسات ومتطلبات الاصلاح الاقتصادي في العراق : رؤيا مستقبلية , مجلة الخليج العربي , مجلد (38) العدد (1), 2010, ص113.
  12. البنك المركزي العراقي ، التقرير الاقتصادي السنوي ، المديرية العامة للإحصاء والابحاث, 2015, ص72.
  13. البنك المركزي العراقي ، التقرير الاقتصادي السنوي ، المديرية العامة للإحصاء والابحاث. للأعوام 2003, 2012. ص35, 57.

 

 

([1]) احمد عبد الصاحب الشبيبي , سياسات ومتطلبات الاصلاح الاقتصادي في العراق : رؤيا مستقبلية , مجلة الخليج العربي , مجلد (38) العدد (1), 2010, ص113.

([2]) كامل العضاض, اعادة هيكلة الاقتصاد العراقي دور الدولة ومشاريع الخصخصة المطروحة, ورقة مقدمة للحلقات الدراسية للجنة تنسيق التيار الديمقراطي العراقي, المملكة المتحدة , لندن , 2015, ص28.

([3]) احمد عبد الصاحب الشبيبي , مصدر سابق , ص111.

([4]) صندوق النقد الدولي، أفاق الاقتصاد العالمي،1999،جداول عن أداء التضخم للدول المتحولة للمدة 1989-1999.نيويورك2000 .

([5]) جوزيف ستكتلز” العولمة وسماؤها” ترجمة فالح عبد القادر حلمي ،بيت الحكمة،ط1،بغداد،2003.ص205.

([6]) Samuelson and Nordhause, Macroeconomics , Mc Graw.Hill,USA,2001.p258

([7]) IMF , World Economic out look . October , 1998 .p185

([8]) هناء عبد الغفار السامرائي، إمكانات الإفادة من تجارب الانتقال الى اقتصاد السوق(رسم معالم النموذج العراقي)،المجلة العراقية للعلوم الاقتصادية ،السنة الثالثة، العدد الثامن الخاص ،كلية الإدارة والاقتصاد، الجامعة المستنصرية،2005.ص64

([9]) جليله عبد اللطيف الجابري، امكانات تفعيل الاستثمار الاجنبي المباشر في البلدان النامية مع اشارة خاصة للعراق، اطروحة دكتوراه كلية الادارة والاقتصاد، الجامعة المستنصرية، ،نيسان2005, ص178

([10])احمد عبد الله سلمان ,  الضرورة والركائز الأساسية للأنتقال من الأسلوب المخطط إلى الأسلوب التلقائي للنمو العراق حالة دراسية , اطروحة دكتوراه , كلية الادارة والاقتصاد , جامعة بغداد , 2009, ص70

([11]) ينظر في ذلك

  • احمد عبد الله سلمان , مصدر سابق, 224-228
  • سمير عبود واخرون, الخصخصة وتحديد رؤى لأصلاح الاقتصاد العراقي, مجلة كلية بغداد للعلوم الاقتصادية , العدد (26) . 2011,ص 17 ومابعدها
  • محمد سعيد عميره , اقتصاد دولة الامارات العربية المتحدة الانجازات المتحققة والتطلعات المستقبلية , مجلة التعاون الاقتصادي بين الدول الاسلامية , مجلد (23) , الامارات العربية المتحدة . 2002ص14

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى