شؤون اقليمية

أكاديمي أمريكي: هل تأسست الولايات المتحدة كأمة مسيحية؟

وحدة الرصد في مركز تبيين للتخطيط والدراسات الستراتيجية

نشرت صحيفة واشنطن بوست مقالا لمدير معهد سيفيتاس في جامعة تكساس،  جاستن داير، قال فيه إن الأمريكيين يحبون مناقشة ما إذا كانت الولايات المتحدة قد تأسست كدولة مسيحية.

 

وقال الأكاديمي الأمريكي، في المقال الذي ترجمته “عربي21″، إنها نقطة نقاش تمتلك المقدرة على البقاء؛ لأن الإجابة هي “لا” و “نعم” في آن.

 

وأضاف: “المؤسسون قالوا لا لنموذج الملكيات الطائفية السائدة آنذاك في أوروبا. وبدلا من ذلك، أنشأوا جمهورية بدستور استبعد صراحة الاختبارات الدينية للمناصب العامة، وفصلوا مكاتب الكنيسة عن مكاتب الدولة، وفي ظل التعددية الدينية القوية، واختار المؤسسون عدم إنشاء كنيسة وطنية، يمكننا الآن أن نشعر بالامتنان لأن السياسيين لا يختارون قساوستنا، وقساوستنا في الغالب لا يمثلوننا في الكونغرس.

 

وتابع: “لكن هذا لا يعني أن لدينا مؤسسة علمانية؛ فأمريكا كانت في تأسيسها بعيدة كل البعد عن العلمانية، إذا أخذنا ذلك على أنه يعني مجتمعا تنفصل فيه أسس النظام السياسي عن التقاليد الدينية الأساسية. ويبدأ إعلان استقلالنا بالإشارة إلى قوانين الطبيعة وإله الطبيعة، ويؤسس المساواة البشرية على الخلق، ويعرّف الحقوق على أنها هبة خالقنا، وتناشد “القاضي الأعلى للعالم”، ويعلن عن اعتماد الموقعين الشديد على حماية العناية الإلهية”.

 

وقال سيفيتاس إن هذه اللغة تشير إلى إمكانية التوفيق بين مناقشاتنا المألوفة. تأسست الولايات المتحدة من قبل مفكرين منغمسين في تقاليد القانون الطبيعي المسيحي، وهو تيار فكري غني وقوي يختلف عن أي كنيسة مؤسسية. وهذا التقليد، الذي نشأ خلال الارتباط المسيحي الطويل بالفلسفة الكلاسيكية، يرى أن العقل يمكنه تحديد الأفضل للبشر من خلال دراسة الطبيعة البشرية. يشمل الخير للبشر أشياء مثل الحياة والصحة والمعرفة والصداقة. عندما يكون لدينا أشياء جيدة في حياتنا، فإننا نزدهر ونكون سعداء. عندما نفشل في رعاية هذه القيم، سواء بشكل فردي أو كمجتمع، فإننا نزرع بذور بؤسنا وخرابنا.

 

من هذا المنطلق، من المنطقي أن نقول إن لدينا حقوقا طبيعية في الحياة والحرية والسعي وراء السعادة، وهدف الحكومة هو تأمين تلك الحقوق، كما يوضح الإعلان.

 

واعتقد “الفلاسفة الوثنيون القدماء بعضا من هذا، لكن المسيحيين أكدوا على المصدر الإلهي للقانون الطبيعي والمساواة البشرية. وزعموا أن القانون الطبيعي يعني أن المشرع هو خالق العالم ومؤلف الطبيعة البشرية. وتم ختم الطبيعة البشرية بصورة الله، وهي فكرة قوضت ممارسة العبودية القديمة على الرغم من الظروف السائدة عند التأسيس”.

 

وأثارت هذه الفكرة إعجاب أبراهام لنكولن، الذي ادعى للمؤسسين خلال نقاش عام 1858 أنه “في إيمانهم المستنير، لم يتم إرسال أي شيء مختوم بالصورة الإلهية ومثاله إلى العالم للدوس عليه، والانحطاط، والظلم من قبل بني جنسه”، مشيرا إلى أن مفاهيم الكرامة الإنسانية الأساسية والمساواة الأخلاقية متجذرة، في نهاية المطاف، في سفر التكوين.

وتتطلب الحكومة البشرية نفس وحدة القوة والخير. وامتلاك القوة لا يعني الحق، كما أن القوة ليست هي نفسها السلطة، كما يعتقد الأمريكيون منذ فترة طويلة، وهناك قانون أعلى حتى من الملك أو الدستور.

 

وقال إن هذه الأفكار كانت “جزءا من الهواء الفكري الذي تنفسه المؤسسون. وتم تأكيدها من قبل كل من التقاليد اللاهوتية السائدة في المستعمرات، والتي تم قبولها في الحياة العامة خلال العصرين الثوري والدستوري، وتم تدريسها كجزء من منهج الفلسفة الأخلاقية للكليات. تشير إحدى الدراسات حول تعليم المؤسسين إلى أن الموضوعات المتكررة في فصولهم الدراسية كانت “حرية الإرادة، والقانون الطبيعي، والضمير، والسعادة كهدف أسمى للإنسان، وضرورة الوحي، ووقوع المعجزات، وحقوق الإنسان وواجباته”.

 

وفي ضوء ذلك، دافع الشاب ألكسندر هاميلتون عن الثورة الأمريكية ضد الأسقف المؤيد للملكية صمويل سيبري جونيور (الذي، بالمناسبة، يمثل دورا هامشيا في مسرحية “هاميلتون” الموسيقية). واتهم هاملتون سيبري بأنه كان تحت تأثير الفيلسوف المعارض للقانون الطبيعي، الكاتب الإنجليزي توماس هوبز من القرن السابع عشر. قال هاملتون لسيبري بإهانة: “هناك تشابه قوي جدا بين مبادئك وتلك التي يعتقدها هوب.. يمكن لأي شخص، عندما يقيمها، أن يظنك تلميذا له”، في الخطاب السياسي الأمريكي في القرن الثامن عشر، كانت هذه كلمات ثورية.

 

ما اعترض عليه الأمريكيون في هوبز كان الطرق التي استنزف بها المادة من تقاليد القانون الطبيعي، كان العقل مجرد أداة تخدم الرغبات البشرية، كانت الأفكار حول ما هو جيد للبشر ذاتية تماما، لم تكن هناك قواعد أخلاقية بصرف النظر عن إرادة صاحب سيادة قوي للغاية يمكنه فرض القانون والحفاظ على السلام.

 

في المقابل، زعم هاميلتون: “لقد علّم الناس الطيبون والحكماء في كل العصور” أن الله “قد خلق قانونا أبديا لا يتغير، وهو بشكل لا غنى عنه، إلزامي على البشرية جمعاء، قبل أي مؤسسة بشرية مهما كانت”. وخلص هاميلتون إلى أن السبب الذي جعل هوبز يؤمن بمثل هذه “العقيدة السخيفة وغير التقية” هو “عدم تصديقه بوجود مبدأ إشراف ذكي، وهو الحاكم، وسيكون الحكم النهائي للكون”.

 

وأعرب بعض المؤسسين عن شكوكهم بشأن مزاعم المسيحية بالطبع. ومع ذلك، مع استثناءات قليلة جدا، لم يكونوا من الربوبيين الذين يعتقدون أن الله قد حرك العالم وتركه يسير بمفرده، ولم يكونوا بالتأكيد هوبزيين [المؤمنين بفكر هوبز] الذين يعتقدون أن الأخلاق مجرد اختراع للمجتمع أو الدولة.

 

لقد كانت فلسفتهم المتأثرة بالمسيحية أرضية عالية وقف عليها الأمريكيون من جميع الأطياف في ادعائهم امتلاك عباءة العدالة. كما قال القس مارتن لوثر كينغ جونيور في “رسالة من سجن برمنغهام”: “القانون العادل هو قانون من صنع الإنسان يتوافق مع القانون الأخلاقي أو قانون الله”. على الرغم من أننا انفصلنا بشكل متزايد عن أسسنا الفلسفية واللاهوتية، عندما نتحدث عن المثل الأمريكية، فإننا نستدعي أفكار ولغة القانون الطبيعي، بحسب الأكاديمي الأمريكي.

 

 

 

المصدر : مركز الإسلام الأصيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى