مقالات

لبنان بين كماشة الخارج وتفكك الداخل، مؤامرة كبيرة على المقاومة والوطن.

كتب إسماعيل النجار،

.{يعيش لبنان اليوم مرحلة هي الأخطر منذ انتهاء الحرب الأهلية التي نشبت عام ١٩٧٥، إذ تتكامل فيها المؤامرات الخارجية والداخلية لضرب بيئة المقاومة وإضعاف موقعها السياسي والعسكري، في وقت تُستنزف فيه الدولة وتُشلّ مؤسساتها تحت الضغط الأميركي السعودي الذي أدَّىَ إلى الانهيار الاقتصادي، والتجاذب الطائفي بين المارونية السياسية والطائفه الشيعيه.
.{بين هذا وذاك واشنطن تتولى إدارة عملية تلف الأعصاب لبيئة المقاومة عبر الحرب النفسية والعقوبات التي تشنها عليهم وحملة التهويل المستمر بحرب شاملة إذا ما خضعوا لإملاءآتها.
.{الإدارة الأميركية الحالية، كما سابقاتها، ترى في حزب الله العقبة المركزية أمام مشروع “إعادة تشكيل الشرق الأوسط”، لذلك تعمل على شيطنته وعزله شعبياً عربياً ودولياً، مستخدمة أدوات مالية وإعلامية واستخباراتية متشعبة.
.{أما إسرائيل، فهي تستكمل عمليات الاغتيال والقصف والعربدة بلا خطوط حمراء، مستفيدةً من صمتٍ دولي مريب وتواطؤ بعض الأنظمة العربية التي تغضّ الطرف عن جرائم الاحتلال، بل وتدعمها ضمنياً بحجة “ردع إيران وأذرعها”. هذا التصعيد الإسرائيلي ليس منعزلاً عن المخطط الأميركي، بل هو لعبة تقاسم أدوار واضحة بين واشنطن وتل أبيب، حيث تُترك لإسرائيل مهمة التصعيد الميداني، بينما تتولى واشنطن الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية.
.{في المقابل، تنخرط باريس وبعض العواصم العربية في هذا التنسيق عبر ما يُسمّى “المبادرة اللبنانية” التي تحمل في طياتها أهدافاً خفية، مثل إعادة رسم التوازنات الداخلية وإضعاف محور المقاومة تحت عنوان “الإصلاح” و“تحييد لبنان”. هذه المبادرات تتلاقى مع أطراف لبنانية رسمية وحزبية تعمل بوضوح ضد المقاومة، سواء من موقع السلطة أو المعارضة، وتنسّق مع الخارج في صياغة مشهد سياسي جديد يُقصي الحزب أو يحصر دوره داخل بيئته فقط.
.{من جهة أخرى، محور المقاومة نفسه يعاني من اختلاف في الحسابات والمقاربات بين أطرافه، تبعاً للظروف الخاصة في كل بلد فدمشق مثقلة بالإرهاب وأصبحت خارج السلسلة ومرتهنة للقرار الصهيوني، وبغداد منشغلة بصراعاتها وإنتخاباتها الداخلية، وطهران تواجه تصعيداً غربياً متزايداً في ملفاتها النووية والاقتصادية وهي تناور سياسياً ويدها على الزناد.
.{كل هذا التباين يجعل التنسيق أقل فاعلية مما كان عليه سابقاً، ما يُضعف الموقف الموحد في مواجهة الهجمة الإقليمية ويصبح الإستفراد الصهيوأميركي أمر واقع ونافذ.
.{أما بالنسبة لرسالة حزب الله الأخيرة إلى الرؤساء الثلاثة والتي جاءت بمثابة جرس إنذار، سواء للداخل اللبناني أو للخارج، مفادها أن الحزب ما زال يملك زمام المبادرة، وأن صبره ليس بلا حدود.
.{الرسالة فسّرها البعض على أنها الإنذار الأخير قبل تحرك حاسم، وقد شعر الصهاينة فعلاً بخطر داهم عقبها. لكنّ الأمين العام للحزب في إطلالته الأخيرة اختار الغموض المقصود، فلم يُفصح عن الخطط المستقبلية أو طبيعة الردود، تاركاً العدو في دائرة الشك والارتباك.
.{وفي الخلفية، تتحرك غرف استخباراتية غربية وعربية لتفجير الوضع اللبناني من الداخل عبر التحريض الطائفي، وإشعال الشارع بالملفات المعيشية، واستهداف الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية لتفكيك ما تبقّى من هيكل الدولة. ما يُراد للبنان هو إدخاله في فوضى مضبوطة تضعف الجميع وتفتح الباب أمام وصاية جديدة بغطاء “دولي”، وهو سيناريو يتطابق مع مشروع واشنطن لتغيير قواعد اللعبة في المشرق.
.{الخطورة اليوم تكمن في أن بعض القوى اللبنانية من رسميين وحزبيين التي لم تعد تُخفي ارتهانها للخارج، بل تتبنّى علناً خطاباً معادياً للمقاومة، وتسوّق لفكرة “الحياد” و“النأي بالنفس” كمدخل لنزع سلاحها، فيما الهدف الحقيقي هو إسقاط آخر عناصر القوة الوطنية في مواجهة إسرائيل.
.{ختاماً، يبدو لبنان أمام مفترق مصيري
إما أن يتوحّد محور المقاومة على رؤية واحدة لمواجهة هذا الطوفان السياسي والعسكري والإعلامي،
.{وإما أن تستمر لعبة المحاور الداخلية والخارجية بتقويض ما تبقّى من مناعة وطن كان يوماً قلب العروبة النابض وساحة التوازن بين الشرق والغرب.

بيروت في،،   8/11/2025

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى