ترجل الفارس: رسالة إلى راية النصر في ذكرى قائد المقاومة …
الكاتب والباحث في الشأن السياسي حسن درباش العامري

ترجلتَ سريعًا يا سيد المقاومة… أيها الفارس الهمام، لا تسرع؛ فالنزال الأكبر لم يبدأ بعد. كنا نعلم أن الحرب لا تنتهي بغياب قائد واحد، وأنك خلفت وراءك أبناءً أهلًا للمنازلة، ممن تسترعاهم لتكمل المسيرة وتُرفع الراية. لقد منحتهم فرصة إتمام المعركة، لأنك تختبر قلوبهم كما يعلّم النسر فراخه كيف يواجه صعوبات الطيران وسرعة الانقضاض.
أنت الذي قطعت خراطيم الظلم واقتلع باب حصونهم، وقتلت مرَحبهم المتبجّح — لا تزال يخبرهم مطلع قرن الشيطان ومايزال الحقد يقطر من أنيابهم. لكن عزاؤنا أن سيرتك باقية في نفوسنا؛ جرحك لم يندمل، وذكراك باقية كالجرح الغائر الذي لا يندمل. فربما فُزتَ بالنعيم، لكننا مستمرون في المواجهة؛ وقد ورثك أولئك الشباب الراية، وورثوا أدوات الخير لمواجهة الشرّ والباطل.
لقد نذرتَنا للخير وللكرامة، وخطّت لكم الشهادة طريقًا وموقفًا. كنت تُعدّهم لملاقاة أشدّ الأشرار، وتعلّمهم مقابلة الإحسان بالإحسان. تكلّمت أحاسيسهم بالحسنى فارتعب الأشرار — ومع ذلك بقيت أنت علامةً في الذاكرة، وصوتك نشيدًا لا يغادر المسامع.وطريقك سالم فالجميع يتبعك ويتمنى اللحاق .
بعد رحيلك سالت الدماء أنهارًا، وصارت معاناة الناس مرئية في وجوه الأطفال والرضّع. مات البعض جوعًا وعطشًا، وراح آخرون ضحايا غياب الضمير وتضخم شهواتهم للمال والسلطة. الأمة اليوم تلتقط راية قاتليها قبل أن تسقط مخذولة ومهانة؛ تبيع ذلّها لتأمن بقايا لقمة. لكن التاريخ لا يرحم من خانوا أمانة الشعب، ولن تنطفئ الحقيقة مهما اشتدت الظلمات.
رحيلك ألمٌ ياسيد المقاومة لا يلتئم، لكنه امتحانٌ لمن خلفك: سيواصلون الطريق بالأمانة والشجاعة، ولن تغتالهم الأهواء كما اغتالت من ظمائر العرب؟ نحن ننتظر أن تُستكمل الرسالة؛ أن تُرفع الراية ، بل لاستعادة كرامة الأمة وحقوقها، وبناء مستقبلٍ تحفظ فيه موارد الناس وكرامتهم.
يا فارسًا، لقد علمتنا أن البطولة ليست في المغادرة فقط، بل في ترك قيادة صالحة ونارًا لا تنطفئ في صدور المؤمنيين. فلتبقَ خيوط عزيمتك في أيدينا، وصدى صوتك يهدي خطواتنا نحو هدفٍ واحد: كرامةٌ لا تُباع، وحريةٌ لا تُقايض.
في الختام، إن الرحيل لا ينهى المسيرة، وإنما يختبر الأوفياء. فإما أن تكتمل المعركة بنصرٍ يليق بك وبشهدائك، وإما أن تبقى الذكرى نورًا يهدي الأجيال القادمة. ونحن نختار أن نمضي في الطريق، ثابتين، حاملين الراية التي ورثتها ..عن جدك الامام و ورثناها عنك.