مقالات

الإمام السيد موسى الصدر رجل الوحدة والمقاومة وحامي المسيحيين.

كتب إسماعيل النجار

لم يكن الإمام السيد موسى الصدر مجرد رجل دين عابر في تاريخ لبنان، بل كان رمزًا استثنائيًا جمع بين الإيمان العميق، التواضع الجم، والشغف بالوحدة الوطنية، حتى غدا اسمه مرتبطًا بالعدل الاجتماعي، المقاومة ضد الاحتلال، والدفاع عن كرامة الإنسان.
عُرف الإمام الصدر بإيمانه الراسخ بالله وبقضيته الإنسانية، فكان يعيش البساطة بكل تفاصيلها، قريبًا من الناس، يجلس بين الفقراء كما يجلس مع النخب، دون أي تكلّف أو تميّز. وقد جسّد في سلوكه صورة العالم العامل، الذي يربط العلم بالفعل، والإيمان بالمسؤولية تجاه المجتمع.
منذ قدومه إلى لبنان، أحب الإمام هذا الوطن بكل فسيفسائه، ولم ينظر إليه إلا كرسالة حضارية جامعة. كان يرى أن قوة لبنان تكمن في تعدده، وأن حماية هذا التنوع لا تكون إلا من خلال العيش المشترك، والاحترام المتبادل بين المسلمين والمسيحيين. لذلك، لم يتردد في إلقاء المحاضرات بالكنائس والأديرة، مؤكدًا أن المسيحية والإسلام جناحان للبنان، وأن أي محاولة لقصّ أحدهما تعني سقوط الكيان بأسره.
أدرك الإمام الصدر باكرًا خطورة العدو الإسرائيلي، فحذّر اللبنانيين من أطماعه، ودعا الدولة إلى تحمّل مسؤوليتها في الدفاع عن الجنوب. وحين تخلّت الدولة عن واجبها، وقف الإمام يحرّض الشباب على حمل السلاح، لا من باب العدوان، بل من باب المقاومة والدفاع عن الأرض والعِرض. ومن رحم دعوته هذه وُلدت شرارة المقاومة الوطنية التي أصبحت لاحقًا مدرسةً في الصمود والتحرير.
لم يكن غريبًا أن تُحاك مؤامرة لإخفاء هذا الرجل. فالإمام الصدر كان يطالب بالوحدة فيما كان الآخرون يريدون تمزيق لبنان على أسس طائفية ومذهبية. كان يرفع شعار العدالة الاجتماعية ويدعو إلى نصرة المحرومين، فيما قوى الاستبداد والهيمنة لا تريد للبنان أن يكون موحّدًا وقويًا. لقد شكّل مشروعه خطرًا على كل من أراد للبنان أن يبقى ضعيفًا وممزقًا، ولذلك جاء القرار بإخفائه وإبعاد صوته عن الساحة.
لا يمكن الحديث عن لبنان الحديث دون ذكر فضل الإمام الصدر. فهو من أعاد للشيعة دورهم السياسي والوطني بعد تهميش طويل، وهو من أرسى دعائم العيش المشترك، وهو من زرع بذور المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. ترك مدرسة قائمة على الإيمان، التواضع، الانفتاح، والكرامة الوطنية، مدرسةً لا تزال آثارها حاضرة في كل خطاب مقاوم وفي كل دعوة للوحدة.
لقد غاب الإمام السيد موسى الصدر جسدًا، لكن فكره لا يزال حاضرًا، وصوته لا يزال يتردّد: “إسرائيل شر مطلق، والتعامل معها حرام”، ووصيته لا تزال تنير درب لبنان: الوحدة، المقاومة، والعيش المشترك.

بيروت في،،  31/8/2025

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى