العراق وإيران.. الطائفيه هي السبب ام الخوف عراق قوي من هو الضحيه..
بقلم: الكاتب والخبير الاستراتيجي حسن درباش العامري

في عالم يعج بالتحالفات المتغيرة والمصالح المتشابكة، يبقى السؤال حائرًا: هل العداء لإيران نابع من طائفيتها كما يُروّج، أم من خوفٍ أعمق من عراقٍ قوي تحرسه علاقات متينة مع جاره الشرقي؟
دائمًا ما تُتَّهَم إيران بأنها تتحكم بمفاصل القرار في العراق، ويتردد في الإعلام الخليجي والعربي والدولي توصيفها كدولة توسعية تسعى لبسط نفوذها عبر أذرع إقليمية. غير أن الوقائع على الأرض ترسم مشهدًا مغايرًا؛ فإيران، منذ عام 2003 وحتى اليوم، لم تكن دولة محتلة، ولم تُفرض على العراق بجيوش، بل دخلت إليه عبر بوابة التعاون الاقتصادي والمساعدة، كما فعلت مع دول إسلامية وعربية أخرى، سنية كانت أو شيعية، بل وحتى غير مسلمة.
ما لا يمكن إنكاره أن لإيران حدودًا طويلة مع العراق تمتد لأكثر من 1200 كيلومتر، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، مما يجعلها شريكًا جغرافيًا دائمًا لا يمكن تجاهله. وفي الوقت الذي أغلقت فيه بعض الدول أبوابها بوجه العراق في أشد أزماته، كانت إيران حاضرة، تمده بالغذاء، وتزوده بالغاز الضروري لإنتاج الكهرباء، وهي المساهمة الأولى في استمرار الإنارة والمستشفيات والمصانع في عموم البلاد. ولو قُطعت تلك الإمدادات، لانطفأت نصف الدولة، وهذه ليست مبالغة بل حقيقة يومية يعرفها المواطن العراقي جيدًا.
فلماذا إذاً يُحاصر هذا التقارب العراقي الإيراني بسيلٍ من الاتهامات؟
الجواب لا يكمن فقط في الاعتبارات السياسية، بل يمتد إلى ما هو أعمق: الخوف الخليجي والعربي التقليدي من عراقٍ قوي، مستقل، متحرر من الهيمنة، قادر على صنع قراره وبناء تحالفاته. عراقٌ قادرٌ على إعادة التوازن إلى المعادلة الإقليمية المختلّة.
أما الطائفية، فهي الذريعة الجاهزة، تُستخدم عند الحاجة لتشويه أي تحالف أو تقارب لا يخدم أجندات الأنظمة الرافضة لفكرة التعددية أو قبول الآخر. نفس هذا المنطق يُستنسخ اليوم في سوريا، حيث يتم التعامل مع الأقليات الدينية والمذهبية بمنطق الأمويين الجدد، الرافضين للتنوع، الساعين لتكريس هيمنة لون واحد على حساب فسيفساء غنية بالتاريخ والثقافة والهوية.
إن إيران، في هذا السياق، ليست أكثر من ضحية لرغبة بعض الدول في إبقاء العراق ضعيفًا، تابعًا، مرتهنًا. فكل ما يدعم العراق، وكل من يقف معه، سيتحول تلقائيًا إلى عدو، لا لأنه معتدٍ، بل لأنه كسر الطوق ورفض الخضوع.
الخلاف مع إيران ليس مذهبيًا كما يُصوّر، بل هو خلاف على الدور والموقع والقرار، وهي معركة لا يخوضها العراق بالنيابة عن أحد، بل دفاعًا عن حقه الطبيعي في أن يكون دولة ذات سيادة، وأن يختار جيرانه وأصدقاءه بما يخدم مصالحه العليا، لا بما يُملى عليه من عواصم ما وراء الخليج.