إن لكل مجتمع إنساني في أي زمان أو مكان بناءه وثقافته التي يتميز بها عن غيره من المجتمعات ، وله تركيبه السياسي والاقتصادي ، وله عقيدته وتراثه وقيمه التي ينشأ حولها فكره وتفكيره وله عاداته وتقاليده ومُثُله العليا التي ينبثق منها توجهاته الفكرية وانتماءاته العقائدية ، لذلك نجد أن المجتمع حينما يصوغ أهدافه ومبادئه فإنه يسعى جاهداً لأن تكون هذه الأصول متلائمة مع عقيدة المجتمع وفكره والقيم التي يؤمن بها فتعمل على إعداد الإنسان في إطاره الاجتماعي بواسطة الأهداف والغايات التي تحددها الفلسفة العامة للمجتمع والمبادئ الأساسية التي يؤمن بها الأمة والمعتقدات التي يعتنقها أفرادها بعد ان سادت متغيرات عديدة شكلت العالم المعاصر .
وفي ظل الظروف الراهنة والأحداث المتوالية انتشرت المفاهيم الخاطئة بين جماعات تتعارض مع الفهم الصحيح للقيم والإسلام والجنوح إلى التطرف والمبالغة فكراً وممارسة وإثارة نفوس الشباب وتعبئتها ضد الدولة وعلماء الدين .
وقد ساهمت فتوى (الجهاد الكفائي) التي اطلقها المرجع الديني الاعلى السيد علي السيستاني (دام ظله) في الثالث عشر من حزيران من العام 2014 ضد تنظيم داعش الارهابي في سد الطريق امام كارثة كادت تحل بالعراق والمنطقة بصورة عامة .
وقد وجد ان فتوى (الجهاد الكفائي) التي اطلقها المرجع الديني الاعلى السيد علي السيستاني (دام ظله) قد لاقت ترحيب سريع من مختلف المحافظات العراقية وخصوصاً الوسطى والجنوبية إستجابة لهذه الفتوى .
وفي ضوء ما سبق فقد جاءت فتوى (الجهاد الكفائي) لصيانة النفوس والاعراض والمقدسات . و برز دور المرجعية الدينية لتوضح للناس نهج القرآن الكريم التي تعتمد في أساليب الدعوة على الحكمة والموعظة الحسنة ومخاطبة الناس بالأسلوب المناسب لهم تنفيذا للتوجيه الرباني.
فضلا عن ذاك فان المرجعية الدينية كانت ولا تزال منهجاً حياتياً متكاملاً ، انطلاقًا من قوله تعالى : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } () .
ومن الجدير بالذكر ومن الطبيعي أن تتعدد عطاءات فتوى (الجهاد الكفائي). اذ إنّ الفتوى هي رسالة الإسلام الحقيقي ، ومنهج الدعوة للإيمان والإصلاح والتكامل الإنساني .
وفي ضوء ما سبق فقد جاءت فتوى (الجهاد الكفائي) موضحة لمعنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لا يقع الفرد ضحية لتلك الجماعات الإرهابية التي تحاول أن تضر بالمسلمين وغيرهم اعتقادا منهم أن ذلك هو طريق الصواب . ولكن هنا برز دور المرجعية الدينية المتمثلة بالمرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني (دام ظله) التي توضح للناس نهج القرآن الكريم التي تعتمد في أساليب الدعوة على الحكمة والموعظة الحسنة ومخاطبة الناس بالأسلوب المناسب لهم .
وقد دلت هذه الفتوى على مفهوم التسامح والتعايش السلِّمي الذي اصبح اليوم ليس غريبا في المنظور الإسلامي ، بل تعتبر مرتكزات ومبادئ جاء بها الإسلام ، من خلال الدعوة إلى التسامح ونبذ الخلافات والفرقة ، بل تعتبر ضرورة اجتماعية وسبيلا لضبط الاختلافات وٕادارتها إلى درجة أن المسلم أصبح ملزما بمقتضيات التسامح والعدالة ، حيث انعكس ذلك على منظومته الأخلاقية والسلوكية وبرزت في مفاهيم الرفق ، والإيثار، والعفو، والإحسان، والقول الحسن ، والألفة والأمانة .
كما يمكن استنباط الكثير من المفاهيم والقيم التي تضمنتها فتوى الجهاد الكفائي ، اذ بينت إن السلام هو أمنية ورغبة أكيدة يتمناها كل إنسان يعيش على هذه الارض، فالسلام يشمل أمور المسلمين في جميع مناحي الحياة ويشمل الأفراد والمجتمعات والشعوب والقبائل، فإن وجد السلام انتفت الحروب والضغائن بين الناس، وعمت الراحة والطمأنينة والحريّة والمحبة والمودة بين الشعوب.
وتعد فتوى الجهاد الكفائي شأناً عظيماً ، فما كان أمراً شخصياً ولا هدفاً قومياً او وطنياً بل كان عالمياً وشمولياً، اذ شجعت على السلام الذي هو الأصل الذي يجب أن يسود العلاقات بين الناس جميعاً، فالإسلام يدعو الى استقرار المسلمين واستقرار غيرهم ممن يعيشون على هذه الارض، ويكشف لنا التاريخ أن جميع الحضارات كانت تواقة من أجل تحقيق السلام العالمي.