التخطيط والتنميةثقافيةمقالات

زيارة الأربعين حركة العاشق الى المعشوق

بقلم : السيد فاضل الموسوي الجابري

لقد قرأت منشورا لبعض المعممين الذين يتحاملون بكل اصرار على إظهار زيارة الأربعين وكأنها كارثة الكوارث وانها سرطان الدين وماحقة له،  ثم اخذ يسوق العديد من النصوص الروائية لإثبات هذا المدعى ، وأن زيارة الأربعين بدعة وليست من الدين بشيء، وانها عبارة عن كرنفال ابتدعه بعض الشيعة وانتشر كالنار في الهشيم ليصل الى هذا العدد الخيالي وبهذه الطريقة والكيفية سواء للزائرين او الخادمين .

وانا لا أدري لماذا هذا التحامل على هذه الزيارة بالخصوص ، ولماذا يستاء البعض من توجه الملايين من العاشقين  الى معشوقهم سيد الشهداء؟

وهل يلام العاشق في حركته الى معشوقه وللعشق جنون وفنون لا يعرفه الا من ذاق حلاوته واكتوى بناره ؟

والحسين عليه السلام ليس فقط إماما لنا وسيدا ، بل هو  معشوق القلوب وحبيبها ،  لأن كل كلمة او حركة قام بها في كربلاء – وما قبل كربلاء – تكشف عن ملكات عظيمة اتصفت بها  نفسه الملكوتية، ولذا هيمنت على العقول والنفوس فانجذبت إليها من دون شعور . فهو ليس انسانا عاديا بل هو من صنعته السماء لكي يكون شمسا يستضيء به أهل الأرض ، فهو وارث الأنبياء والمرسلين ، وقد اجتمع فيه نور الأنبياء والاولياء ، وقد أضاء هذا النور القلوب والنفوس، وان كل قطرة دم سقطت منه في يوم عاشوراء أصبحت وقودا يحرك الاحرار والثوار في كل مكان وزمان،   لا سيما أولئك الذين عرفوا  هذا الإمام العظيم وقرأوا سيرته المباركة .

ايها المعمم المسكين الذي يعيش حالة تعظيم الذات والغرور الوهمي ، لا تغرينك بعض الكلمات التي تتشدق بها، ولا تعمينك بعض الأفكار التي تأثرت بها باسم الحداثة والمعاصرة والتنوير  ، ولا يبعدنك عن دوحة الحسين عليه السلام بعض من يصفق لك كما يصفق المصفقون لكل متكلم او كاتب، فان من ابتعد عن دوحة الحسين عليه السلام عاش  في صحراء قاحلة خالية عن كل مقومات الحياة الحقيقية لأنه سوف يكون حبيس عالم الظاهر فلا يحضى بشيء من عالم الباطن الجميل وعالم الملكوت البديع .

واعلم هداك الله وإيانا ان سرد النصوص الروائية ومناقشتها ليست هي ملاك الوصول إلى الحقيقة يا عزيزي، وإنما هناك طرقا كثيرة توصلك إليها ، لأن الحقائق لا تعرف فقط من الروايات  الموجودة فعلا او التي وصلت إلينا  فأن الحقيقة أوسع كثيرا من ذلك ، فمضافا الى ضياع اكثر التراث -الذي قد يكون مشتملا على نصوص كثيرة مؤكدة او داعية الى بعض الأمور والحقائق – فان هناك الاحساس والشعور ، وهناك التفكير والتعقل والاستنتاج، وهناك التجربة والمعاينة ، وهناك القلب والروح التي قد ترى في الأفق ما لا تراه العيون ، فهل نحتاج مع العيان الى برهان ؟! .

ثم ان قولك : بأن زيارة الأربعين بدعة لانها ليست من الدين لعدم النص الصريح عليها بالخصوص، فيه من الاشتباه الشيء الكثير ، فهل نسيت قاعدة التسامح في ادلة السنن، وهل نسيت قاعدة ثواب من بلغ ، وهل نسيت سيرة المتشرعة ، وهل نسيت قاعدة تطبيق الوارد على المورد، وهل نسيت قاعدة الاحتمال يبطل الاستدلال، وهل نسيت تطبيق العام والمطلق على مصاديقه، وهل وهل وهل ؟!

فيا حبيبي ليست الفقاهة ان تمارس تطبيق القواعد الفقهية العامة بشكل عشوائي كأنها قواعد صارمة لا ليونة فيها ولا روح ومعنى ،  وإنما لتلك القواعد روحا متحركة بحسب الزمان والمكان والحالات والموارد يدركها من له شم فقاهتي ، وذوق اجتهادي، ونظرة عميقة لنصوص الكتاب والسنة .

وهل تظن او تعتقد بأن الإمام الصادق عليه السلام لو كان موجودا في هذا العصر ورأى هذه الملايين الزاحفة من البصرة الى كربلاء رجالا ونساء شبانا وشيوخا واطفالا ، وهذه المواكب وهذه الخدمة العجيبة لقال لهم : ارجعوا من حيث جأتم فان زيارة الحسين عليه السلام في هذا اليوم بالخصوص ليست مستحبة او لم يثبت استحبابها ؟!

ليس هكذا تورد الابل يا سعد!!!

ان النصوص الواردة في استحباب زيارة الإمام الحسين عليه السلام والتي بلغت العشرات والتي تؤكد افضلية زيارته على زيارة كل الائمة وفي مختلف المناسبات لها دلالات عقائدية واضحة ، فهي تريد من الأمة ان ترتبط نفسيا وعقديا بهذا الإمام ، لأن السير على منهجه فيه حياة الأمة وحياة الإسلام ، واتباع المبادئ العليا التي خرج وضحى من أجلها الإمام عليه السلام فيها صلاح الامة وخيرها وتحررها وعزها وكرامتها .

فالغاية من هذا الحث الكثير لزيارة الحسين عليه السلام هو ذاك  البعد العقائدي  ، وهذا بكل تأكيد يتجلى في  ابعاده  المختلفة في الزيارة الاربعينة، حيث تجد الناس مجتمعة في هذا الزحف المبارك وهم من كل حدب ينسلون ، ومن كل فج عميق يتحركون الى كعبة القلوب ومعشوق النفوس ، وهذا هو المطلوب شرعا يا عزيزي .

ارجو ان تتوجه جيدا الى الغايات والأهداف والمقاصد العامة والخاصة او ما يسمى بالقطع بمراد الشارع ، وليس الصحيح فقط ان تبحث عن النصوص الخاصة وتناقش الروايات مناقشة دلالية جامدة وبعيدة عن محتوى الروايات كما يفعل الحشوية ، فإن هذه صنعة العاجز بتعبير الفقهاء ، وبمن لم يفهم روح الدين والشريعة بتعبيري القاصر  .

اسأل الله ان يهدينا وجميع المؤمنين من الضلالة واتباع الجهالة ، وان يعرفنا حقيقية الدين ، ويجعلنا من خدام شريعة سيد المرسلين ، ويجعلنا من خدام امامنا الحسين عليه السلام.

واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى