قبل عشر سنوات وتحديدا في مارس عام 2013 اعتبرت مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية كمية إنتاج المقالات العلمية والهندسية المكتوبة والمنشورة من طرف العلماء الإيرانيين الأولى عالميا من حيث النمو، حيث سجلت نموا يُقدّر بـ 25.2% ومنذ ذلك التاريخ تكرر استهداف العلماء الإيرانيين بعمليات الاغتيال بعد أن فشلت العقوبات في إيقاف عجلة العلوم الإيرانية بل ساهمت في تعزيزها وتطويرها في ظل رؤية ثورية تهدف إلى قطع الاعتماد على النفط والاكتفاء الذاتي.
والجميع قد سمع عن البرنامج النووي الإيراني وعن البرنامج الفضائي الإيراني وعن صناعات الحديد والصلب وعن صناعة المجاهر الإلكترونية الطبية والصناعات العسكرية الإيرانية، ومؤخرا سمع الجميع عن اتهام أمريكا لروسيا بشراء السلاح الإيراني أثناء احتدام الصراع في اوكرانيا.
وعلى خلفية الكشف عن حقل ضخم من الليثيوم يحتوي على 8.5 ملايين طن (ثاني أكبر حقل في العالم) قالت الخبيرة الإسرائيلية في الجغرافيا السياسية عنات هوخبرغ ماروم لصحيفة “معاريف” الإسرائيلية إنّ اكتشاف خزان الليثيوم الإيراني يمكن أن يؤدي إلى تغيير ميزان القوى الإقليمي ومنح طهران وضعاً غير مسبوق جيوسياسياً واقتصادياً حيث يُعَدّ هذا المعدن “درة التاج” نظراً إلى قيمته وأهميته الاستراتيجية في إنتاج البطاريات لمختلف الصناعات الإلكترونية بما في ذلك السيارات الكهربائية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف النقالة والألواح الشمسية والمسيّرات وكذلك لأغراض تخزين الطاقة.
هذه التكنولوجيا الإيرانية لها دلالة سياسية يُدركها الساسة جيدا تماما كما أدركتها صحيفةُ معاريف الإسرائيلية.
لكن لهذه التكنولوجيا الإيرانية دلالة فكرية أيضا هي ما نحاول لفت النظر إليه في هذا المقال، إذ انها تتناول جدلية التضاد بين العلم والدين حيث تعتبر ثنائية (العلم- الدين) من أبرز الثنائيات في الفلسفة وعلم الاجتماع.
ولو ترفّعت بعضُ الحركات الإسلامية عن حساباتها المذهبية الضيقة لأدركت أهمية ما وصلت إليه الجمهورية الإسلامية في مجال العلوم الطبيعية والتكنولوجيا فهو مكسب للإسلام عموما في معترك الصراع الفكري للحضارات..
فاعتمادا على تاريخ صراعه مع الكنيسة قام الفكرُ الغربي المعاصر على تقديم الدين كضد للعلم، وتصوير من يلتزم بمظاهر الدين على انه منافر للعلم، لكن مع قيام الجمهورية الإسلامية التي قادها معممٌ ذو لحية حريصٌ على العفة والحجاب غاب هذا التعارضُ الموهوم بين العلم والدين، بل على العكس لقد ظهر الدين في الحالة الإيرانية شرطا للتقدم العلمي وعاملا لإزدهاره..
وإذا ما قورنت المعلوماتُ السابقة عن الثورة الإسلامية في إيران بالثورات القومية العربية التي قامت على أفكار العلمانية وتقليد المجتمع الغربي في القشور من خلاعة وتهتّك ومجون مع إهمال شبه تام للمجال العلمي والتكنولوجي، وكيف سيبدعُ مجتمعٌ مسخٌ انسلخ عن جذوره لا هو الذي بقي على أصالته وبنى عليها ولا هو الذي نجح في التحول 100٪؟
لذلك يحق لنا أن نسأل:
ما الذي أنجزته تلك الثورات العربية التي سبقت ثورة إيران بعقود؟
هل أنجزت برنامجا نوويا؟
هل وصلت إلى الفضاء؟
هل أطلقت أقمارا صناعية؟
هل تجاوزت حصارا خانقا استمر لعقود؟
هل حققت اكتفاء ذاتيا في مجال السلاح والصناعات السيادية؟
هل دعمت حركات التحرر في مواجهة عدو الإسلام والعروبة- العدو الصهيوني؟
للأسف لم تنته تلك الثورات إلى إسقاط العمائم واللحى والتضحية بالعفة والحجاب فحسب بل وانتهت في أحضان التبعية للخارج سواء كانت للسوفيتي أو للأمريكي، ثم كانت النكسة الأعظم بتصالحها مع العدو الصهيوني والتفريط في الجزء الأكبر من أرض فلسطين.
لم يتوقف السقوط عند هذا الحد، بل تحولت تلك الأنظمة إلى شرطي صهيوني لوأد جميع مظاهر المقاومة التي لم تجد ملجأ بعد ذلك سوى لدى ثورة إيران الإسلامية!
وليت الأنظمة قد حققت بذلك نهضة أو استقرارا أو ازدهارا! بل انتهت إلى أزمات اقتصادية مزمنة وصراع اجتماعي محموم منح الأنظمة الملكية المستقرة شرعية مضاعفة.. والأغرب من ذلك كله أن يسقط خطابُ الأنظمة العربية من علياء القومية الجامعة إلى خطابات قُطرية تفكيكية مشوبة بأهداف مذهبية ضيقة تتخذ من إيران خصما ومن إسرائيل حليفا وكأنما تغتال بيديها الحلمَ العربي الذي قامت عليه ثم تدوس ما بقي منه تحت قدميها بسيريالية حزينة.
https://alasrmag.com/