حرب الاثنى عشر يومًا الإيرانية الإسرائيلية.. أداء الطرفين فيها، والدروس والعظات المستخلصه منها!!
عبدالجبار الغراب

قبل الحديث والخوض عن التقيم الواقعي لأداء الطرفين العسكري في الحرب التي إستمرت أثنى عشر يومًا بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني كان لابد علينا إنصافًا للتاريخ وتذكيرًا منا بالادوار والمحطات خالدة التي قامت به الجمهورية الإسلامية في وضعها لمناصرة المستضعفين اهدافًا إيمانية لمواجهة قوى الهيمنة والغطرسة العالمية، وأنه بقيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979م تحقق للعرب خصوصًا وللمسلمين على وجه العموم أمانيهم والأحلام لأعادة القضية الفلسطينية إلى واجهتها الحقيقية بعد ركود ونسيان طال أمده الكبير بفعل خسائر العرب المتراكمة جراء حروبهم المباشرة مع الكيان الصهيوني، وإقدام بعض الدول إلى إقامة علاقة تطبيع ومنها مصر بعد حرب عام 1974م.
بعدها شكلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية واجهة الأحداث في تبنيها للقضية الفلسطينية على وجه الإطلاق، وجعلها من أهم أولويات أهداف ثورتها العظيمة، فكان لطرد السفير الإسرائيلي من طهران وإستبداله بمنظمة التحرير الفلسطينية فاتحة الخير لإظهار مظلومية الشعب الفلسطيني وحقه في تحرير أرضه وإستعادة مقدساته.
تكشفت تدريجيا كل أنواع المؤامرات والمخططات التي تدبرها قوى الشر والإستكبار ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، فتوالت مختلف الأحداث في إبرازها لنوايا الصهاينة والأمريكان في زعزعة الأمن والإستقرار في إيران، ومن البرنامج النووي غاياتهم الخبيثة وأساليبهم القذرة لإفشال كل أنواع التطور والتقدم المشروع للشعب الإيراني، وبرغم كل المنعطفات التأريخية طوال أربعة عقود التي مرت بها الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلا أنه كان للثبات والإستمرار طريقة لردع كل أنواع المؤامرات، وهنا سار مركب العطاء الإيراني نحو ترسيخ كل ما يحقق مناهضة السياسيات الأمريكية والغربية في المنطقة، فظهرت كالاعب دولي كبير لها ثقلها ووزنها العالمي كقوة تمتلك جيش عظيم وأقتصاد قاوم كل أنواع العقوبات المفروضة منذ عقود.
توالت الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، لتثبت كل أحداث الحرب الإجرامية الصهيونية على قطاع غزة مصداقية الوقوف الإيراني مع المقاومة الفلسطينية في مختلف المجالات والأصعدة سياسيًّا وعسكريًّا وماليًا، ومن هجمات الكيان الصهيوني على القنصلية الإيرانية في سوريا توجيه الجيش الإيراني لعملية الوعد الصادق واحد داخل عمق الكيان ولأول مرة كسرت بها قواعد الإشتباك وهزت الكيان الصهيوني داخليًا وخارجيًا، وبإغتيال إسماعيل هنية رئيس حركة حماس في إيران وهو ضمن المشاركين في تنصيب الرئيس الإيراني الجديد وبعدها اغتيال السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله: كانت لعملية الوعد الصادق الثانية إثباتها بأن جرائم الكيان واعتداءاته الجبانة داخل إيران لا تمر دون رد قوي وهو ما حدث فعليًا، ليذهب بعدها الكيان بأنه لا مجال من الحرب على إيران إلا بتنسيق كبير مع الأمريكان وخاصتًا عند انتظارهم لمجى ترمب الى رئاسة أمريكا.
تواصل الدعم الإيراني الواضح للمقاومة الفلسطينية خصوصًا و لمحور المقاومة على وجه العموم والذي نجح في تأثيره الكبير على الصهاينة والأمريكان، وأثبتت الوقائع الظاهرة ولمدة تصل الى العامين جراء إستمرار الحرب الصهيونية على المقاومة الفلسطينية فشل كل الحملات العسكرية بمختلف أنواع الدعم المقدم عسكريًا سياسيًّا وماليًا، وبتواصل الدعم والإسناد اليمني الفعال للمقاومة الفلسطينية وبصعوبة كسر إرادة اليمنيين توجهت أعين الصهاينة والأمريكان صوب الملف الإيراني وجعله عقبة يصعب حله وبمكر وحقد دفين وبتنسيق أمريكي وبدعم وتأبيد غربي شن الكيان الصهيوني عدوانه الغادر والجبان على الجمهورية الإسلامية الإيرانية واضعين في ذلك إسقاط النظام الإيراني مستهدفين قادة الجيش والعلماء ومنشآت البرنامج النووي الإيراني، لتفشل أهدافهم وتظهر القوة الإيرانية في اعلى جهوزيتها كدولة لها مؤسساتها لا يمكن أن تتأثر برحيل قائد أو عالم ليختلف الرد الإيراني على عملية الغدر الصهيوني بعمليات الوعد الصادق الثالثة المختلفة في شكلها وحجمها وسلاحها، ليكون للتدمير الكبير والمشاهد والمنقول إعلاميا لكل منشآت الكيان الصهيوني العسكرية المحصنة والهامة والاقتصادية وبصواريخ تم استخدامها لأول مرة عجزت كل دفاعات الكيان وداعميهم من اعتراضها وأمام أعين العالم والتي شاهدت الدمار الهائل لمدن الكيان لم تحدث له منذ نشأته المشوؤمة قبل حوالي سبعين عام.
انكشف وبوضوح كبير مد هشاشة الكيان الصهيوني وبحجم وكمية الخسائر الفادحة التي تعرضوا لها من قبل الصواريخ الإيرانية، وبرد الجيش الإيراني المباشر على قاعدة العديد الأمريكية في قطر وضعها لمصداقية إشعال النيران على رؤوس الأمريكان في مناطق وقواعد عسكرية موجودين بها، وبذلك أظهر الجيش الإيراني تفوقه الواضح على مدار أثنى عشر يومًا من القتال مع الصهاينة، ليطلب بعدها الأمريكان التدخل من بعض القوى الخارجية لوقف الحرب وهذا ما تم بالفعل لكن بختم الضربة الأخيرة بصورايخ إيران المتعددة الرؤوس التي تساقطت على كل مدن الصهاينة كاشفه بذلك قرب زواله الوشيك والأكيد.
ليتحقق وبشكل كبير جراء ذلك الإنتصار إنجاز عظيم إيراني في ردعه للكيان الصهيوني، وهنا تغيرت قواعد الإشتباك في المنطقة وأظهرت مفأجات لم تخطر على بال الصهاينة والأمريكان لقوة عسكرية وتكنولوجيا متطورة لجمهورية إيران من صواريخ لها قدرتها الفائقة على تدمير كل إسرائيل متى ما أرادوا ذلك وعندهم الكفاءة والقدرة على قلب كل موازين القوى وجعلها أمام مجهول لخفايا مازالت تحتفظ بها إيران وقد تتطلب الأقدار إخراجها إذا ما تم الاعتداء عليها مجددًا.
خلقت هذه المواجهة الإيرانية مع الصهاينة والأمريكان إنعكاساتها الكبرى المؤثرة على دول محور المقاومة في إصرار حركة حماس وكافة الفصائل الفلسطينية على التصدي للكيان ولحجم السعادة الغامرة التي دخلت قلوبهم وهم يشاهدون الكيان يدمر بنفس الدمار التي تعرض لها قطاع غزة فاعطت لهم الأمل والروح في الصمود والثبات وأنهم مسنودين وليسوا وحيدين، ومن اليمن كان لانعكاسات الانتصار الإيراني وضرباته الصاروخية المسددة لعمق الكيان خلقه لمزيد من التحفيز لمواصلة الإسناد للمقاومة الفلسطينية وأن الكيان ضعيف ودفاعاته هشة و هزيمته قادمة وسهلة.
قد يكون لهذه الحرب أسهامها وانعكاساتها المباشرة في إيجادها لنظام أمني جديد في المنطقة على وجه التحديد من خلال ما أنتجته قوة الردع الإيرانية في فرضها لمتغيرات فاقت كل التوقعات من خلال ردها العظيم على الصهاينة والأمريكان، وإظهارها لقوتها العسكرية والتي هيمنت من خلالها على لعب أدوار قادمة في إحداث توازن في المنطقة واضعة بذلك الحد الكبير لهيمنة الصهاينة و تفوقهم العسكري والدفاعي المدعوم أمريكيًا، ولذلك فإنهم سيعيدون مليون مرة في تفكيرهم إذا ما حاولوا الإقدام لشن حرب جديدة على إيران، والاحتمالات لتكرار الحرب ليست بالأمر السهل أبدا، وإذا ما اقدمو على ذلك فستكون شاملة لكل المنطقة، و ستخلق معها صراع شامل سيغرق بها ويكتوي بنيرانها المتفرجين من الأعراب على الإبادة الدائرة بقطاع غزة، والذين هم في مخاوف متواصلة من اشتعال حرب جديدة في المنطقة وفي محاولات حثيثة لإخماد أي نوايا لإشعال المنطقة في حروب متجددة خصوصًا بعدما أظهرت إيران جزءًا بسيطًا من خفاياها المزلزلة.
أنتجت هذه الحرب دروسها الهامة وعبر وعظاتها الهادفة ورسائلها الضرورية التي يتوجب استخلاصها والأخذ بها من قبل اليمن و بقية محور المقاومة: الأدراك الكامل لمد القذارة والحقارة والاستغلال الذي يقوم بها الأمريكان والصهاينة في استخدامهم للخونة والعملاء في الداخل لتشكيل قوة معادية تسهل عليهم إسقاط الدولة واختراق منشآتها وقياداتها وهو ما يتطلب من كل دول المحور وضع كل الإجراءات اللازمة لتجنب تكرار مثل هكذا اختراقات داخلية كما حدث مع حزب الله ومع الجمهورية الإسلامية الإيرانية لكن كان لإيران تغلبها السريع بحكم بنائها الصحيح الهرمي للقيادات العسكرية ورجوعها بساعات قلبت من خلالها الأحداث الغادرة رأسا على عقب فوق الصهاينة، وأيضا إستخلاص أنه من الواجب الإعداد والتجهيز بكل الأدوات والوسائل بما يحقق ردع الكيان الصهيوني وإدراك لكل المخاطر التي تدار على المحور، والانتباه الجيد لزرع الحب والولاء الداخلي وتعريفهم بمد المؤامرات الشيطانية التي تعد من قبل أعداء هذه الأمة، أيضا درس هام ومهم يمكن إستخلاصة أن لولاء القوة الإيرانية وامتلاكها لسلاح الردع لكان للأمريكان والصهاينة رأي آخر لمواصلة الحرب على إيران حتى تحقيقهم للأهداف، ورسائل أعطتها هذه الحرب أن السلاح هو مصدر الأمان والفخر والإعتزاز وأن محاولات الأمريكان و لصالح الصهاينة وتعاونهم داخليًا مع قوى لبنانية لنزع سلاح حزب الله ما هو إلا أماني وأحلام لهم من أجل إكتمال مسيرة إقامة دولتهم الكبرى وتسهيل سيطرتهم على لبنان، وهذا هو المستحيل والمحال فكيف تأخذ سياسيًّا اشياء ما قدرت على تحقيقها طوال أعوام بل وعقود.




