ان من اخطر المراحل التي تعرض التجارب السياسية بالعالم هو (الجمود )،ليس لانه حالة تفرضها وقائع سياسية وادارية واحداث عاصفة تهتز لها التجارب ،انما هي فقدان (الحيوية)والتماسك بمواجهة الاحداث والتعامل معها وفق العقيدة الحاكمة والمبنية على اصول المبدأ وديناميكية العمل .
المشهد السياسي بالعراق غير قادر على التحرك لخطوة الى الامام او على الاقل ان يبقى في حال (المراوحة )انما تكلس بالتمام وباتت الاحزاب الحاكمة تنتظر قدرا ياتي من عالم اخر يغير واقعها .
ان الاحزاب السياسية مثلها مثل اي كائن حي اذا اراد البقاء لابد من (حيوية )تديمه ،
وان الاحزاب السياسية بالعراق ماعادت تمتلك طاقة تحرك جسدها الممدد على الرصيف متذ عقود ،
ان كل النظريات والادبيات الفكرية والسياسية تاخذ مصادر قوتها وديمومتها
من العناصر التي تنتمي لها وتؤمن بها
وحين تفشل العقول في تطوير العقائد
وبعث الروح فيها تتراجع ثم تموت وتبقى مجرد (تاريخ ).
ان (الجمود)يوفر فرصة (متاحة)للخصوم ان يهاجموا التجربة السياسية ،وان يصمموا لها مستقبلها وفق اهوائهم ثم يلحقوا بها (المسخ )الى الابد .
إن هذا (الجمود )الذي تمر به التجربة السياسية بالعراق ،هو الذي جعل شخصيات (اجنبية)ان تتدخل ،وان تحرف التجربة عن جادتها ،فمثلا لعبت السيدة بلاسخارت(ممثلة الامين الغام بالعراق) دورا كبيرا في ارباك التجربة لانها وجدت
سبلا كثيرة سالكة باتحاه القيادات السياسية ،وتيقنت انهم يحتاجون من يصنع لهم قراراتهم فاختارت لهم ماتريد ،
ثم اعقبتها (السفيرة الاميركية بالعراق)حيث قلما نجا من لقاءاتها مسؤول او قائد سياسيي رغم انها مجرد(سفيرة)مثل باقي السفراء اللذين
ياتون ويغادرون دون ان يعلم بوحودهم احد ،هذا غير التدخلات الخارجية (المفرطة )والتي جعلت بعض الكتل السياسية غير قادرة على (تمشية)امورها الداخلية دون (استشارة )خارجية .
لاشك ان القادة السياسيين طالما تعرضوا الى اسئلة من قبل (النخب المثقفة ) بشان اسباب (سكونية الحزب) الذي بات مجرد
عنوان ودون دماء جديدة تحرك مياهه الراكدة ،وانه بزعامة واحدة وليس لهم ثانٍ.
فتأتي الاجوبة بعيدة عن حقيقة ماتمر به احزابنا ..
ان الخطر الاكبر الذي تمر بها احزابنا الحاكمة هو (الرضا )بهذه (السكونية) ،حيث اكتفوا بامتياز بسيط لايتعدى الحصول الى (وزارة )او (مؤسسة )
وبعض (الاستثمارات )فيما تناسوا الهدف الاسمى (مشروع بناء دولة ).
الاعذار كثيرة وفي مقدمتها (عدم الانسجام ) والتدخل (الخارجي )وان اموال العراق يخنقها (البنك الفيدرالي)وغيرها .
هذه الاعذار تشبه كثيرا (التحديات )التي واجهت معظم دول العالم ،وخرجت منها عبر اعداد منهج عمل وهدف ،وقراءة لجميع الظروف الداخلية والخارجية والاستفادة من ثروات البلد الاقتصادية والبشرية والموقع الجغرافي وغيرها ،وحتما تعرضوا للمخاطر جراء ذلك سواء من قبل احزابهم او من خارجها .
فمثلا دينج شياو بينج السياسي والقائد الصيني عندما عرض نبوأته بان الصين تحتاج الى نصف قرن للنهوض والتحول الى بلد صناعي متطور قادر على منازلة الدول الكبرى ،تعرض الى ضغوط او شكت ان تؤدي به الى الاعدام ،وتعرض للسجن والاعتقال لكنه (الان)يطلق عليه (قائد نهضة الصين الكبرى )وحين نطالع حياته ومسيرته
نجد انها لمعجزة ان ينجح هذا
الرجل بمهمته ،كما ليس غريبا ان يكون احد رواد هذه النهضة بالصين العالم العراقي (الياس كورگيس).
يبدو لايريد احد من طبقة السياسيين العراقيين ان يتولى مشروعا نهضويا
ياخذ فيه بيد شعبه الى حيث التطور والنجاح .
السكونية التي نتحدث عنها تحمل (مخاطر )مستقبلية للعراق والعراقيين ،حيث اوقفت قدم التنمية واماتت عصب التطور ،وبات العراقيون مجرد مستهلكين يبيعون نفطهم ويشترون بضاعة وطعاما ،ينتظرهم يوما تكسد فيه بضاعة النفط ولم يجدوا حتى ارضا يزرعون
بعد ان خنقت تركيا عليهم الماء ،وسكنت ملايين الهكتارات الناس .
الجامعات العراقية (اهلية وحكومية )تخرج سنويا (250)الف طالب ،تدفع بهم الى (البطالة )ليتحولوا الى عبء على اسرهم
ووطنهم ،دون الاستفادة من خبراتهم وتعليمهم ،وليس في الافق ادنى تخطيط
او هدف لاستيعابهم .
عندما نقول (سكونية )الاحزاب السياسية بالعراق لانعني حزبا دون اخرى فهذا (الجمود )يتمدد على جميع الاحزاب السياسية بالعراق ،فمثلا الحزب الديمقراطي الكوردستاني فشل في ادارة المنطقة التي فيها نفوذه وهكذا الاخرون .
إن الفشل في اختيار مرشح مناسب لرئاسة مجلس النواب بالعراق رغم مضي تسعة اشهر على شغور المنصب يعد (فاجعة )في قيم العمل السياسي ،خاصة وان النظام السياسي بالعراق (نظام برلماني)بمعنى هو السلطة الاعلى في ادارة الدولة ،ودليل قاطع على نكوص في العمل السياسي عاجز عن ايجاد الحل ،وليس غريبا ان تجد جملة جاهزة لكل سياسي تسأله عن سبب التاخر
في ترشيح شخصية مناسبة لمنصب رئاسة مجلس النواب ياتيك الجواب الجاهز (هذا المنصب من حصة السنة )..بمعنى اذا بقي
هؤلاء (السنة )عاجزين عن الاختيار فيبقى الامر معلقا الى الدورة التشريعية المقبلة
او الى اجل غير مسمى .!
ان اجراء انتخابات في ايران بعد 50 يوما من وفاة رئيس دولتهم بحادث ،يمثل حالة الاستقرار بالبلد ،والمسؤولية الكبرى التي تقع على عاتق القيادة ،حيث تسارعوا في نسيان صغائر الخلافات واندفعوا افواجا الى صناديق الاقتراع في داخل البلد وخارجه ،وانتظم الشعب خلف قياداته
وانجزوا مهمة اختيار رئيس جديد من اسرة الدولة وعقيدتها .
مافي العراق من تخلف وسكونية الاحزاب الحاكمة يشبه جدا ،البلاد العربية جميعها
فدولها اما انها خرجت تترنح من صفعة (الربيع العربي)وانتاج شخصيات قيادية (ميتة )مثل السيسي وسعيد والبرهان وامثالهم او دول (ملكية عميلة )مثل الاردن والمغرب او فوضى مثل العراق ولبنان وسوريا وليبيا وموريتانيا وتونس
اما (دول الخليج )فهذه (محميات امريكية )سخروا اموالهم لتدمير الامة .
اذن نحن امام (سكونية )تحتاج الى من يناقشها بصراحة عالية خاصة من قبل النخب المثقفة وانتاج الافكار والاراء الفاعلة دون الوقوف امام ابواب الاحزاب لان هؤلاء ليس لديهم من جديد وغير متفاعلين مع اي راي .