ثقافيةشؤون اقليمية

لا تصالح

عبدالملك سام

أمريكا منحت (الزعامات) العرب بعقد القمة بعد أن منحوا إسرائيل” الوقت الكافي لذبح أكبر عدد من الفلسطينيين، وسيخرج علينا الإسرائيليين بعد أن يرتوي بعض عطشهم الدائم للدماء ليعلنوا بأنهم شكلوا لجنة لتقصي الحقائق، ثم يتم إحالة بعض الضباط والجنود لتحقيق في غرفة مغلقة يدخلونها وقد رسموا على وجوههم أمارات الجدية والخطورة، ثم يغلقون الباب على أنفسهم ليشبعوا ضحكا على هذه المسرحية الهزلية أمام العالم الساكت الذي لا يؤمن إلا بمنطق القوة!

 

لقد فعلوها عشرات المرات بعد كل مجزرة أرتكبوها مع سبق الإصرار والترصد، وبدم بارد لأنهم يعرفون – بل ويؤمنون – أنهم فوق أي قانون، وهم متأكدون أنهم سينجون بفعلتهم! فعلوها يوم مسحوا (دير ياسين) واكثر من 400 قرية فلسطينية مسالمة من على الخريطة، ثم منحوا (مناحيم بيغن) جائزة نوبل للسلام! فعلوها يوم أرتكبوا مجزرة (صبرا) و(شاتيلا) بمعية “القوات اللبنانية” ثم عاقبوا (آرييل شارون) بأن غرموه بضعة “شياكل” إمعانا في الإهانة، وتمت ترقيته فيما بعد حتى صار رئيسا للوزراء!

 

فعلوها يوم قصفوا (بحر البقر) في مصر، ويوم أعدموا الجنود العطشى في سيناء، ويوم أسقطوا طائرة مدنية على متنها وزير الخارجية الليبي، ويوم قصفوا مقر القوات الدولية التي احتمى فيها عشرات اللاجئين جنوب لبنان، ويوم اغرقوا سفينة (ليبرتي) الأمريكية التي صورت إحدى جرائمهم، ويوم داست جرافتهم (راشيل كوري) و ……الخ!! وعقب كل جريمة كانوا يتعذرون ويشكلون لجان تحقيق، وعندما ينصرف العالم وهو يضرب كفا بكف، ينشغل الصهاينة بالإعداد لجريمة أخرى!

 

هم واثقون بأننا – والعالم بعدنا – سننسى، ولذلك هم يكررون الجريمة بدم بارد، ومتأكدون بأنهم سينجون بفعلتهم، وبعد كل جريمة يكرمون قادتهم الأشد إجراما؛ فما فعلوه يعد من وجهة نظرهم عمل بطولي وضروري في تاريخ كيانهم القذر.. في حين أن اليهودي منذ القدم لا ينسى ثأره، بل لا ينسى من حاصره أبدا..

 

اليهود يكرهون العراقيين بسبب ما فعله البابليون، ويكرهون المصريين بسبب ما فعله الفراعنة، ويكرهون الأوربيين بسبب تاريخ طويل من الصراع والتهجير والعزل والاحتقار والعنف الذي حولهم إلى كائنات متوحشة، وبعدها رموا بهم إلى منطقتنا بعد أن صار اليهود جماعة من المسوخ! وهاهم يخرجون كل تلك الأحقاد على شعب فلسطين الطيب، وقريبا على باقي العرب!

 

يصرخ الشاعر (أمل دنقل) فينا منذ الأزل مذكرا:

لا تصالح على الدم حتى بدم!

لا تصالح ولو قيل رأس برأس!

أكل الرءوس سواء؟!

أقلب الغريب كقلب أخيك؟!

أعيناه عينا أخيك؟!

وهل تتساوى يد سيفها كان لك، بيد سيفها أثكلك؟!

 

المعركة الأخيرة التي ما تزال دائرة حتى اللحظة من المفترض أن تعلمنا، وأن توقظ مشاعر السخط فينا، وأن تجعلنا ندرك أن هؤلاء المجرمين يسعون لإبادتنا.. إذا أردنا أن نخرج من هذا التيه الذي أورثنا الذل والقهر وحتى اليأس، فيجب علينا ألا نقبل بالمساومة التي يجيدونها بخبث فتظهر أسوأ ما فينا، وتطمعهم أكثر ليتمادوا في ظلمنا.

 

يجب ألا ننسى مئات المجازر التي سفكت دماء الآلاف من الأبرياء وأدمت قلوبنا، وأن نصر على حقنا الذي لا يقبل أنصاف الحلول، وأن نتعلم أن نحقد على من ظلمنا ليظل ثأرنا حيا في قلوبنا فلا نغفل، وألا نسكت حتى لا ننسى.. يجب ألا نصالح إلا بعد أن نقتص من الظالمين، وأن نقاطع تجارتهم وسمومهم التي تقتلنا وتدمر أرضنا، وأن نتحرك ونصبر ونصابر ونعلم أطفالنا ألا يصالحون من لا عهد لهم ولا ذمة حتى تحرير مقدساتنا وأخر شبر في أرضنا؛ فهولاء لا يريدون صلحا معنا، فكيف نقبل بأن نصالح؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى