شؤون اقليميةمقالات

حصادُ أعوام ثمانية من الصمود اليماني

  بقلم : دينا الرميمة / كاتبة يمنية

على عتبات عام تاسع من حرب تكاد تكون هي الأبشع في تاريخ الحروب يقف اليمنيون مودعين أعوام ثمانية بما حملته من مآسٍ، وما تركته من بصماتٍ سيئة في قلب كُـلّ يمني لا يزال يتذكر تماماً أولى لحظات عدوان انصب عليهم تحت جنح الظلام، وعليهم تساقط قتلاً وتدميراً، دون أن يفقهوا من أمره شيئاً؛ حتى ظن البعض أن قيامة الرحمن قد قامت على الأرض، إلى أن جاء الخبر اليقين من واشنطن، بأنها قيامة أمريكا الغاضبة على كسر شوكتها في اليمن ودون تصريح بذلك، وأن السعوديّة هي من تولت كبر هذه الحرب وبمالها تحملت وزر الدماء اليمنية بعد أن اشترت كُـلّ ما انتجته التكنولوجيا من أسلحة دمار وقتل، واستقدمت كُـلّ مرتزِقة الدول، وبه اشترت الضمائر ولها باع العالم إنسانيته وقوانينه الناعقة بحقوقها!

فضمنوا بذلك قوةً ظنوا أنهم بها منتصرين، وأن أَيَّـاماً قلائل كفيلة بإركاع اليمن وشعبه، وإدخَالهم تحت عباءتهم التي تفوح منها رائحة النفط التي خدرت العالم؛ فصدق زيف مبرّرات وأسباب عدوان حمل كُـلّ بشاعة الدنيا وإجرامها ليدمّـروا المنازل على رؤوس من فيها دون مراعاة لحرمة قتل الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ.

دمّـروا المنشآت التعليمية والمستشفيات والمطارات ومحطات الكهرباء والماء والطرقات، وكل ما له علاقة بحياة الإنسان، لم تستثنَ صالات الأعراس ولا قاعات العزاء، ولم يفرقوا بين مقاتل وطفل، ولا ثكنة عسكرية أَو حافلة مسافرين!! أطبقوا الحصار الجوي والبحري والجوي؛ لتبقى اليمن أشبه بمنفى لكل حر رافض أن تداس كرامة أرضه ومعهم أَيْـضاً سحقوا الموالين لهم والراغبين بعبوديتهم والمسبحين أَيْـضاً بحمدهم!

هي أَيْـضاً حرب بيولوجية شنت بالأسلحة المحرمة دوليًّا، التي لوثت الأجواء اليمنية بفيروسات تكفلت بقتل عدد كبير من اليمنيين، الذين استوطن الحزن قلوبهم وفي محياهم وحياتهم وجد الموت بغيته بينهم وعلى أكتافهم حفرت حاملات الجنائز شواهد على كبر هذا العدوّ، الذي جعل أرضهم مرتعاً للأوجاع والمآسي التي لا يخففها إلا دمع مآقيهم الباكية والراثية رحيل أحبابها.

أضف إلى الحرب الاقتصادية وما صحبها من تدميرٍ ممنهج لقيمة الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية وقطع رواتب الموظفين؛ ليكون الجوع سلاحاً آخر للقتل دون تكلفة مادية أَو بشرية للعدوان، الذي أعلن ناطقه أن اليمن دمّـرت عسكريًّا خلال يوم واحد فقط وبثوا مشاهد الدمار والجثث والأشلاء كانتصارٍ لهم ومنجز فنده اليمنيون الذين على رغم هول وبشاعة الأحداث لم يكن أمامهم من خيار إلَّا المواجهة والصمود ببأسٍ تجاهله العدوّ كما تجاهل وأنكر حقيقة أن الأرض اليمنية ليست كباقي الأرض ونسي أن قبله عليها لقى كُـلّ من حاول تدنيسها حتفه ومصيره الخاسر، وما كانت إلَّا أَيَّـام قلائل إلَّا وَالمقاتل اليمني بسلاحه الشخصي على أبواب ونجران وجيزان، وبصموده خيب رهانات العدوّ وتحت قدميه سحق أحلامه باليمن وأسقط هيبة التكنولوجيا وأنظمتها الدفاعية والهجومية!!

وبصموده أَيْـضاً جعل الحرب تصل إلى عامها الثامن في ظل تقدم كبير لليمن، التي أصبحت عنصراً إقليمياً فاعلاً يحسب له العالم ألف حساب، من خلال ما حقّقه اليمنيون من إنجازات عسكرية قلبت معادلة الحرب، وجعلت العدوّ يبحث عن سلامة أرضه ومنشآته وبات ينتقل خائفاً يترقب الأعاصير اليمانية الكاسرة للحصار، والتي باتت مهدّدة لأمنهم واقتصادهم وَعروش ممالكهم التي باتت تحت رحمة المسيَّر اليمني وصواريخه، وهي رسائل قوية بأن اليمن كما هي أرض للحرب هي أرض تجنح للسلام المشرف الذي لأجله تحمل الشعب اليمني كُـلّ مشقات هذه الحرب وأوجاعها ولأجل كرامته قدم آلاف الشهداء الذين بدمائهم عمدوا لليمن حريته وسلبوا حياة كُـلّ من حاول انتزاع راحته، ولا يزال هذا دينهم وشعارهم ولو استمرت الحرب ألف الف عام.

وهذا ما أعلنه العميد يحي سريع، خلال المؤتمر السنوي لاستعراض حصاد أعوام الحرب والحصار، كان ثامنها حافلاً بإنجازات وانتصارات عسكرية موثقة بالأرقام والصور أبرزها انتزاع سيادة الأجواء اليمنية والمنافذ البحرية، أضف إلى الانتصارات السياسية والاقتصادية وحتى الإعلامية التي توجت اليمن بتاج عزة لن تزعزعه عواصف أمريكا، التي تهدأ وتثور حسب ما تستدعيه مصالحها، ولم يتأثر بها إلا عبيدها الذين اشتروا رضاها وباتوا اليوم يتخبطون على أرصفة السياسة وأروقتها بحثاً عن منجى وملجأ من عواصف الرد والردع اليماني، ويحاولون حياكة سلام يحفظ ماء وجوههم ويثبت للعالم انتصارهم إلا أن الحقيقة المرة التي لا يزالون ينكرونها أنهم مهزومون وأن هزيمتهم ليست وليدة اليوم إنما من أول يوم حلقوا فيه بأطماعهم وأحقادهم على اليمن، التي على مدار الأعوام الثمانية أثبتت للعالم فعلاً مقبرة الغزاة، وإليهم وجهت دروس فيها كُـلّ معاني العزة والكرامة وللإنسانية وستصبح مدرسة عسكرية يستمد منها العالم معنى الشجاعة والصمود وَمعنى حب الوطن والأرض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى