قبل ان تنتصر الثورة الاسلامية بزمن طويل كان بعض الشيعة المغرمين بالروايات يتداولون رواية من بحار الانوار للعلامة المجلسي تقول : (عن الإمام الكاظم عليه السلام قال : رجل من قم يدعو الناس إلى الحق ، يجتمع معه قوم قلوبهم كزبر الحديد ، لا تزلهم الرياح العواصف ، لا يملون من الحرب ولا يجبنون ، وعلى الله يتوكلون والعاقبة للمتقين ) البحار : ج60 / ص216
وكان المهتمون بمثل هذه الرواية يوصفون بأنهم من اصحاب الاحلام الوردية التي تحولت الى حاجة نفسية لتشكل معادلا نفسيا لحياة القمع والاستضعاف والمطاردة وفقدان الأمن لدى الشيعة في كل اوطانهم ، ولكن عندما انتصرت الثورة الاسلامية على يد مرجع ثائر من قم هو الامام الخميني (قدس) اقبل الناس على اعادة قراءة كل النبوءات التي جاءت في بحار الانوار ، اصبح اصحاب الاحلام الوردية هم الاكثر واقعية وتفاؤلا بينما وقف ناقدوهم ذاهلين ، وبدأ الجميع يعود لقراءة بحار الانوار ، حتى وجدوا نبوءة هي الاروع تهتز لها القلوب ، انها رواية (رجال المشرق) بلغتها الفخمة وتصويرها الملحمي الرائع ، فقد روى الشيخ النعماني بسنده عن أبي خالد الكابلي ، عن الامام أبي جعفر الباقر عليه السلام قال:
( كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه، ثم يطلبونه فلا يعطونه ، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم ، فيعطون ما سألوه فلا يقبلونه حتى يقوموا ، ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم . قتلاهم شهداء . أما إني لو أدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر .) غيبة النعماني : 273 والبحار : 243 / 52 . لقد انتصرت الثورة بما يشبه الاعجاز ، وقد عكف كثير من المفكرين لتحليل ظاهرة الثورة الاسلامية وولاية الفقيه وكان هناك شبه اجماع على ان الثورة الاسلامية في ايران نجحت في نسج اطارها الاديولوجي الاسلامي التأريخي المستند الى رؤية كونية شاملة ، مثلها كمثل الثورات الاشتراكية والثورات الرأسمالية اللبرالية في العالم ، نعم عاد الاسلام ليشكل الركن الثالث للاديولوجيات العالمية الثلاث (اللبرالية ، الاشتراكية ، الاسلام) ، حين انتصرت الثورة الاسلامية كان مثقفو الشيوعية واللبراليون لم يصحوا بعد من حيرتهم تجاه مشروع المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس) الذي ابطل بجدل عقلي عميق كلا من الاشتراكية والرأسمالية ولم يواجهه احد ، فجاءت الثورة الاسلامية لتجعل من الاسلام ثالث المدارس عالميا ، ولتلحق بمثقفي العرب والعجم ذهولا لا ينتهي ، حتى قال الكاتب والمفكر المصري محمد حسنين هيكل واصفا الامام الخميني (قدس) بأنه :(رصاصة انطلقت من القرن السابع واستقرت في قلب القرن العشرين)
بينما وصفه الكاتب السوري المعروف رياض الريس بأنه خامس الخلفاء الراشدين.
ولعل من اكثر الشخصيات اثارة للجدل بين المفكرين والكتاب واهل الادب والفن في الغرب والشرق في القرن الماضي هو الامام الخميني (قدس) ومنذ اليوم الاول تشكلت جبهتا الاعداء والاصدقاء ضده ، وقد اتضحت هوية الامام وثورته للعالم منذ اليوم الاول عندما الغى سفارة اسرائيل في طهران وجعلها سفارة لفلسطين ورفع العلم الفلسطيني عليها ، ومع ان الوقائع مهمة الا ان تحليل ظاهرة الثورة الاسلامية كان بحاجة الى بحث مختلف ، يكشف اسرار التكوين والتطور ثم الانتصار ، وقد اتضح ان الثورة الاسلامية مثل بقية الثورات الراديكالية اعتمدت عناصر محددة لتحقق النصر وتنجز التغيير وتقاوم الضغوط :
1- القائد الشجاع صاحب الروح الفدائية الامام الذي كان لا يخشى احدا الا الله، كان مرجعا ومفكرا واخلاقيا بارزا.
2- مشروع الثورة الاسلامية الذي اعتمد اصلا على ولاية الفقيه ، وهي الولاية التي تأتي بالمرتبة الثالثة بعد ولاية النبي ثم ولاية الامام المعصوم ، وتشكل منطلقا فكريا لتأسيس الدولة العادلة.
3- قاعدة جماهيرية واسعة مؤمنة وذات ولاء صادق ومستعدة لتحمل المسؤولية دفاعا عن الثورة وقيادتها فقدمت الامة قوافل من الشهداء في هذا الطريق.
4- صفوة من العلماء الذين يشكلون نخبة متقدمة في الحوزة واوساط المرجعية ، في كل من ايران والعراق ولبنان والخليج وباكستان وافغانستان ، كانوا يشكلون خط الولاية مقابل خط المرجعيات التقليدية التي تحرم اقامة الدولة في زمن الغيبة الكبرى .
5- صفوة من المجاهدين الاشداء الذين شكلوا الحرس الثوري والبسيج ونخبة السياسة والادارة في الدولة الجديدة.
6- النهج الديمقراطي الانتخابي في اختيار الرئاسات ، واخضاع الولي الفقيه لرقابة مجلس الخبراء ، ووجود مجلس الشورى كبرلمان للتشريع ومراقبة السلطة التنفيذية ، واختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب العام ، ووجود دستور دائم.وفصل بين السلطات.
هذا المقال لا يكفي لاستعراض نهج الجمهورية الاسلامية في كل الميادين السياسية والامنية والاقتصادية والعلاقات مع الشعوب الاسلامية ونصرة المستضعفين ، ولكن باختصار لو اردنا ان نعرف قدر هذه الثورة وقائدها الراحل وقائدها الحالي الامام الخامنئي ، فللنظر الى اعداءها ، من هم اعداؤها ؟ انهم صدام المقبور ومن والاه من اراذل الحكام وحتى اليوم ، واميركا واسرائيل وكل دول الاستعمار القديم والحديث ومن والاهم وساندهم من حكام العالم الاذلاء ، هؤلاء هم من يبغضون ايران وثورتها وقيادتها ، وهم من يفرضون عليها العقوبات لتجويع شعبها المؤمن الموالي ، وهم من يشنون عليها حربا مركبة تتضمن كل اشكال العدوان ، وهم من يشنون عليها حملات اعلامية حافلة بالاكاذيب والشاعر يقول :
واذا اتتك مذمتي من ناقصٍ
فهي الشهادة لي بأني كاملُ