أصدر المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي (حملة) ورقة جديدة بعنوان “أثر تقنيّات الذكاء الاصطناعي على حياة وسرديات الفلسطينيّين/ات”. تلقي الورقة الضوء على النقص المقلق للأطر الرقابية والتنظيمية التي تنظم تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مشددة على خطورة العواقب المترتبة على هذا النقص بالنسبة للفلسطينيين والمدافعين عن الحقوق الفلسطينية.
تأتي الورقي في وقت يستخدم الاحتلال الإسرائيلي، وجماعات الضغط التابعة له، تقنيات الذكاء الاصطناعي، لتزييف الواقع والصور ولقطات الفيديو، ولتبرير المجازر التي يرتكبها الاحتلال ضد المدنيين في قطاع غزة. لكن خطورته تكمن بما هو أبعد من ذلك.
الذكاء الاصطناعي وهياكل السلطة القائمة
تبحث الورقة التي أعدتها الكاتبة والفنانة أميرة كعوش بالتعاون مع حملة، تداخل تقنيات الذكاء الاصطناعي مع هياكل السلطة القائمة، وهو ما يفضي إلى مفاقمة عدم المساواة وانتهاك حقوق الإنسان على نطاق عالمي. كما تقدم لمحة شاملة عن المخاطر التي يواجهها الفلسطينيون، لا سيما حيال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في نُظم الاتصالات والمراقبة والتطبيقات العسكرية.
بشكل أساسي يركز البحث على فجوة الذكاء الاصطناعي، في السياق الفلسطيني الإسرائيلي، والعواقب الوخيمة “وربما المميتة على الجانب الفلسطيني من الفجوة”. إذ تجنح إسرائيل ــ الرائدة عالمياً في المضمارين العسكري والتقني ــ إلى دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في ترسانتها العسكرية ونظمها الخاصة بالأمن السيبراني والمراقبة، في المقابل، يكابد الفلسطينيون عدداً كبيراً المخاطر جراء هذه النظم المعززة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وذلك لما لها من أثرٍ في تقويض حقوقهم الأساسية. يُذكر من هذه النظم تمثيلاً لا حصراً تقنيات التعرف إلى الوجوه، والأسلحة الآلية، ورصد وسائل التواصل الاجتماعي، والاستهداف العسكري”.
بتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي ضمن ترسانتها العسكرية ونظمها للمراقبة، تضع إسرائيل الحريات الأساسية للفلسطينيين في مهب الخطر – بما يتضمن حرياتهم في التعبير والحركة والتجمع، كما يتعلق بحقهم في نظم تعمل بالذكاء الاصطناعي لأغراض المراقبة تُطلقها على الفلسطينيين والفلسطينيات في الضفة الغربية وقطاع غزة، بحسب ما توضح الورقة البحثية.
أما في قطاع غزة، فتستخدم تقنيات التعلم الآلي والخوارزميات المؤتمتة لتحديد أهداف القصف. تجسد هذه الأمثلة سوابق خطيرة في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لها من أثر سلبي ما يوجب تحركًا طارئًا من المجتمع الدولي لضمان صون حقوق الإنسان المحمية بموجب كافة المواثيق والأعراف.
في قطاع غزة، فتستخدم تقنيات التعلم الآلي والخوارزميات المؤتمتة لتحديد أهداف القصف
يغذي نقص الأطر التنظيمية وفجوات القوى على مستوى العالم هذا الأثر السلبي الغامر لتقنيات الذكاء الاصطناعي في حياة الفلسطينيين وسردياتهم. ويعزى هذا في المقام الأول إلى استخدام إسرائيل غير المقيد لتقنيات الذكاء الاصطناعي في سبيل تعزيز احتكارها، وهيمنتها، وسيطرتها العسكرية.
أخطار من كل جهة
بناء على كل ما سبق يواجه الفلسطينيون والمدافعون عن حقوقهم سيلًا من الأخطار والمخاطر تتدفق عليهم عبر التطبيقات التجارية والمدنية لتقنيات الذكاء الاصطناعي على المستوى الدولي، مثل منصات الذكاء الاصطناعي الإبداعية الشعبية التي يشيع استخدامها يومًا تلو الآخر لإنشاء المحتوى الاصطناعي وتنسيق الوسائط وتقديمها.
تجنح إذاً إسرائيل نحو استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في ترسانة أسلحتها. وتوظف هذه التقنيات لأغراض عسكرية، بما في ذلك الأسلحة ذاتية الإطلاق وذاتية تحديد الأهداف، وهو يمثل أحد أقصى التهديدات المشروعة بوجه الفلسطينيين القابعين تحت الاحتلال والقمع الإسرائيلي. إلا أن إسرائيل لا تدخر جهدًا في اختبار تقانتها العسكرية المدعومة بالذكاء الاصطناعي على الفلسطينيين. في حرب الإبادة الحالية على قطاع غزة، استخدم الاحتلال نماذج التعلم الآلي والخوارزميات المؤتمتة لتحديد مواقع قذائفها وصواريخها.
استخدمت القوات الإسرائيلية أسلحة ذاتية الاستخدام استهدافًا للفلسطينيين في الضفة الغربية
استخدمت القوات الإسرائيلية أسلحة ذاتية الاستخدام استهدافًا للفلسطينيين في الضفة الغربية. في الخليل، استخدمت بندقية ذاتية الإطلاق تسمى “سمارت شوتر”، أي القناصة الذكية، وقنابل صاعقة كوسيلة لتفريق الحشود. في نظام الأسلحة الذاتية، يتم تعزيز أو استبدال اتخاذ القرارات البشرية بتقنيات مبنية على الذكاء الاصطناعي، مما يؤدي إلى مزيد من التآكل للحيز البشري في المسؤولية واتخاذ القرارات.
وفي غزة يستخدم الاحتلال حالياً نظامًا يعمل بالذكاء الاصطناعي لتوصية بأهداف عسكرية وتحديدها، ويسمى هذا النظام “الغوسبل” أو “هبسورا” باللغة العبرية. يستفيد هذا النظام من نماذج قاتلة للتعلم الآلي، ويعتمد على قاعدة بيانات تابعة للجيش الإسرائيلي تحتوي على بيانات من تصوير الطائرات دون طيار وتحليلات الاتصالات الخلوية ولقطات كاميرات المراقبة.